لا شك أن للأفلام السينمائية أهمية كبرى في تجسيد الواقع الاجتماعي، ومن ثم تمكين الناس من مواجهة هذا الواقع، ناهيك عن الدور الذي تلعبه في تعزيز ملكة الخيال لدى المشاهدين.
على مر التاريخ هناك الكثير من الأحداث والقصص الواقعية، والتي قد تكون بعضها مليئة بالمفاجآت والتجارب الرهيبة، والنتائج المؤلمة التي يقابلها الأشخاص خلال مسيرتهم الحياتية؛ الكثير من هذه المواقف والأحداث كانت مصدر إلهام لصناع الأفلام السينمائية لإعادة تجسيدها في الواقع، بهدف أن تبقى خالدة في الأذهان بما توقظه في نفوس المشاهدين من مشاعر إنسانية.
من هذه القصص المؤلمة، ما حدث مع “آرون رالستون”، المهندس الأمريكي من ولاية (كولورادو) عام 2003م، عندما ذهب لممارسة هوايته المفضلة في تسلق الجبال في صحراء (يوتا) في الغرب الأمريكي، ذهب “آرون” دون أن يخبر أحدًا من أسرته، وأثناء الرحلة تعرَّض لحادثة شنيعة أدت لسقوطه ومن نتيجتها، أن حشرت ذراعه اليمنى لمدة خمسة أيام بين جدار أخدود سحيق وصخر يبلغ وزنها حوالي (365) كيلوغرام، كانت تلك تجربة رهيبة مر من خلالها “آرون” بأصعب اللحظات وأكثرها ألمًا في حياته.
ولإنقاذ حياته لم يجد “آرون” أي طريقة غير كسر ذراعه وبترها، وبعد انتهاء محنته، سجل “آرون” تجربته الأليمة ووصف كيف تمكن من التحرر من الصخرة في كتاب أصدره عام 2004م، بعنوان “بين الصخر ومكان صعب”.
أعيد تصوير هذه القصة التي تُجسد محنة مستخلصة من واقع الحياة عاشها “آرون رالستون” بمفرده في منطقة نائية بصحراء ولاية “يوتا” الأمريكية في فيلم مؤثر عاطفيًا وفكريًا لدرجة أن مشهد الحل المروع الذي لجأ إليه متسلق الجبال لإنقاذ حياته أدى إلى إغماء بعض مشاهدي الفيلم الذي كان بعنوان “127 ساعة”، من إخراج البريطاني “داني بويل” عام 2010م.
شاهدت فيلم “172 ساعة” مع الأهل في أحد مسارح منطقة “ليستر سكوير” بوسط لندن في صيف 2019م، وكان من أكثر الأفلام تأثيرًا لما يحتويه من مشاهد رهيبة تم إخراجها بطريقة تُجسد واقع التجربة الأليمة التي مر بها متسلق الجبال.
دارت معظم أحدث الفيلم في مكان واحد مع ممثل واحد هو “جيمس فرانكو” الذي أبدع في تقديم جانبين من جوانب شخصية “آرون رالستون”، فهو مغامر جريء ومغرور ويثق في مهاراته إضافة لشغفه لخوض المخاطرة، ومن جانب آخر منطقي وعقلاني ودموي بما فيه الكفاية، فقد قام بتهشيم عظامه، وقطع ذراعه لإنقاذ حياته من المشكلة التي وقع فيها.
تم استخدام ثلاثة أطراف صناعية لتصوير المشاهد الصادمة للتخلص من الذراع، صنعت الأطراف من الألياف الزجاجية والسيلكون، تشبه العضلات الليفية والأوتار والأوردة والشرايين الوظيفية الممتلئة بالدماء، اثنان منهما لإظهار الأجزاء الداخلية للذراع، والثالث لمحاكاة الجزء الخارجي منه: جعل المشاهد تبدو وكأنها حقيقية.
وظهر في نهاية الفيلم تنويه للمشاهدين من أن “آرون” تزوج بعد الحادثة بسنوات، وأنجب طفلًا، وواصل هوايته في تسلق الجبال، ولكنه أصبح أكثر حرصًا من السابق إضافة إلى أنه أصبح يخبر عائلته وأصدقاءه عند قيامه برحلات لتسلق الجبال.
حصد فيلم “172 ساعة” ست جوائز، ذهبت أربع منها لبطل الفيلم “جيمس فرانكو” الذي رشح لاثنتي عشرة جائزة أخرى شملت جائزتي الأوسكار والكرات الذهبية، وتم عرض الفيلم في 12 مهرجانًا سينمائيًا.
0