المقالات

بين السيسبان والشيصبان

تعتبر السعلاة وبلهجتنا (السُعلية) وأم الصبيان والغول وقصص الجن وقبائلها وأوديتها التي تسكنها وما يروى عنها من القصص والموضوعات الشائكة عموما والمتعلقة بالشعراء خاصة في تاريخ أدبنا العربي ويأتيها الشك والملابسات من الزيادات التي تطرأ عليها حكاية ورواية وقد حدا بي أن أوضح بعض المعلومات المبنية على الواقع بعد أن استمعت إلى مقطع للدكتور الشاعر عبد الرحمن العشماوي وهو يتحدث عن قصة السعلاة مع حسان والجن وعلاقتها بوادي السيسبان بزهران ومع كل الاحترام والتقدير لشخصه ولشاعريته فمن المعروف أن بني الشيصبان وبني مالك قبيلتان من الجن سكنت مواضع في بعض فيافي نجد وجبال الحجاز والشحر وأودية اليمن كما ورد في بعض الكتب ،
وأشار بعض الباحثين انهما قبيلتان من الجن تسكنان جبل خنوقة في عالية نجد شمال مركز البجادية وبعد استقراء بعض التحليلات حول الموضوع نرى أن الشيصبان غالباً ليس السيسبان كما ذكر شاعرنا ؛ لان وادي السيسبان بهذا الاسم مشهور في عدة أماكن في زهران وخارجها حيث يطلق على الجزء العلوي من وادي الصدر، والسيسبان المشار إليه في المقطع وادٍ يقع شمال المندق وله اسم آخر وهو الأشهر “ضرك ” والغريب أن السيسبان لم يذكره السلوك في معجمه ولا غيره ، كما وجدنا نفس الاسم يطلق على عدد من الأماكن الأخرى : منها وادٍ بفلسطين قرب منطقة الخليل ، وبمنطقة كردفان بالسودان ويطلق في المنطقة على نبته صغيرة ذات سيقان دقيقة بها أوراق صغيرة كم يطلق في اليمن على نوع من أشجار الطلح ، وهذا يجعلنا لا نرتاح لكون السيسبان المذكور في تراثنا العربي والإسلامي هو الشيصبان هذا اسم لقبيلة الجن وذاك اسماً للوادي ، الذي تحدث عنه وربط بينها الدكتور العشماوي معتمداً على الحروف المتشابه بين اللفظين لأنه ربما اختلط الامر كثيرا على الناس بسبب هذه المقاربات اللفظية ، وبنيت عليها بعض الاسقاطات الخاطئة والمعلومات المبالغ فيها ولعل العم مبارك ـ يرحمه الله ـ عندما ذكر انه “مولي “بالجن كان يقصد التخويف وما جرت به العادة في التحذير من الذهاب إلى مثل هذه الأماكن الخطرة خاصة على الشباب والأطفال لوعورتها وغدرانها وكونها محميات ، وفي هذا السياق تذكرت شطر بيت لإحدى الشاعرات وهي من النصباء تعتذر لقريبتها التي تسكن خلف ذلك الوادي لوعورته ومشقة الوصول إليه تقول : والساق قصر بنا ما عاد نقدر في ضرك واحمياته ، وقد نُسبت لهذا الوادي غزوة سميت باسمه “غزوة وادي السيسبان” نسج عليها الشاعر الموهوب أبن ثامرة قصيدة قال فيها :
واعتزي سيدي محمد قال ياعمرو بن مي الضمري..
رح لوادي السيسبان المح لنا وش فيه من كفر..
وانطلق يسعى وحير قال فيه عساكر الغطريف
وادعى سيدي محمد قال ياربي علي غثنا به
وانتبه من بطن مكة قال يا لبيك يانبي
والجبال تزلزلت واهتزت الثقلين من علي
ولعله استوحى القصيدة من قصة خرافية وردت بعنوان رأس الغول بكتاب فتوح اليمن المجهول المصدر والهوية، وهي مليئة بالخزعبلات وقد تدعم التوجه الشيعي ، والغريب أن بعض شخوصها إسلامية لم يكونوا قد وصلوا مناطقنا (وادي السيسبان بالمندق )”آنذاك وما ذكر ذلك إلا لإبراز ثقل وجود الامام علي وكراماته ، وتتلخص القصة في مواجهة الامام علي بجيش الكفار الذي طلب راسه كمهر لحسنة بنت الملك الضيغم وتستغرق في الخيال إلى أن جبريل عليه السلام يطوي الأرض لعلي ،كما يستعين علي بشمروخ ملك الجن لمساعدته إلى آخر تلك الأحداث.
هذا أمر والأمر الاخر فعلى الرغم من ايماننا بوجود الجن وقبائلهم كما حدثنا القران الكريم في سورة الجن (وأنا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدا).. حيث يذكر البعض ويؤكد علاقة الجن بالشعراء وانهم مصدر إلهام للكثير منهم وأن الشعراء كانوا لا يقرضون الشعر إلا بحضور أو تقمص الجني ومن هذا القصص ما ذكره الدكتور العشماوي عن حسان بن ثابت في قصته مع السعلاة وما قاله من الشعر انفاذاًلأمرها:
إذا ما تَرَعرَعَ فينا الغُلامُ …فَما إِن يُقالُ لَهُ مَن هُوَه
إِذا لَم يَسُد قَبلَ شَدِّ الإِزارِ …فَذَلِكَ فينا الَذي لا هُوَه
وَلي صاحِبٌ مِن بَني الشَيصَبانِ …فَطَوراً أَقولُ وَطَوراً هُوَه
و ومن ذلك الاقتران قصة سواد بن قارب الدوسي مع الجن في الجاهلية والتي كانت سببا في إسلامه وقعت في وادي ثروق وهو ليس بمنأى عن وادي السيسبان ، ويذكر أن لأمريء القيس من الجن لافظ بن لاحظ وأعشى قيس مسحل بن جندل ولعبيد بن الابرص هبيد والنابغة الذبياني هاذر وغيرهم كثير
كما ذكر البعض أن شعر العرضة تنطبق عليه بعض هذه الاحداث فلشعراء العرضة شيء من ذلك وما يعرف “بالسقيه “ولاحد شعراء الفصحى الكبار الشاعر حسن الزهراني جنية يسميها” صُميعة “. كما أخبر هو عن نفسه
ويقابل ذلك كله رأينا المتواضع: أن الشعر ملكة داخلية تدعمها قوة لغوية ويرادفها إحساس داخلي تمكن صاحبها من النظم بما تجيش به نفسه ويعبر به عن التجربة الشعرية التي يقع تحت تأثيرها، وقد صعّد العقاد رحمه الله هذ الرأي إلى درجة فريدة عندما قال :
والشعر من نفس الرّحمن مقتبس … والشاعر الفذُّ بين الناس رحمن
ـ جدة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى