عقدت القمة الثالثة والثلاثون في 16 مايو 2024 في المنامة عاصمة البحرين ليس فقط من أجل تصفير أزمات المنطقة بل من أجل التضامن مع حق الشعب الفلسطيني الذي يباد في غزة واستهدفت المستشفيات والمدارس والقمة تقول لإسرائيل ولكل من يتضامن معها لا للتضليل والكيل مكيالين العرب قادمون أوقفوا الحرب في غزة وانشروا السلام العادل والشامل.
تمكن بن سيف الثاني من أسرة اليعاربة العمانية بقيادة حملة كبيرة على البحرين عام 1718 فحررها من السيطرة الفارسية وطرد الفرس منها وأخضعها لدولة اليعاربة، والعلاقة السعودية البحرينية وثيقة منذ الدولة السعودية الأولى 1745- 1818 وتجاوزت العلاقة التضامن والتعاون إلى الانصهار في عهد الدولة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد العزيز ومن بعده ملوك السعودية والتكامل على المستويين الرسمي والشعبي لرد كيد الأعداء وإفشال المخططات الرامية إلى ضرب وجودهما ومصالحهما المشتركة يثبت ذلك إرسال السعودية في عهد الملك عبد الله رحمه الله الجيش السعودي إلى المنامة في عام 2011 من خلال تفعيل الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين والتي حفظت أمن البحرين وسلامة مواطنيها وحماية وحدتها الوطنية.
حيث سبق أن وقعت بريطانيا والدولة العثمانية في عام 1913 معاهدة تعترف باستقلال البحرين، ولكن البحرين تبقى تحت الإدارة البريطانية، اكتشفت شركة بابكو وهي شركة تابعة لشركة ستنادرد أويل أوف كاليفورنيا النفط في 1931 في جبل دخان، وفي 1967 تنقل بريطانيا قاعدتها البحرية الرئيسية من عدن إلى البحرين، وفي مايو 1970 تتخلى إيران عن مطالبتها بالسيادة على البحرين بعد ان ظهر تقريرا للأمم المتحدة أن البحرينيين يريدون دولتهم أن تبقى مستقلة، فأعلنت استقلالها في 15 أغسطس 1971، وفي 23 ديسمبر 1971 توقع البحرين اتفاقا مع الولايات المتحدة استئجار مرافقها البحرية والعسكرية.
انضمت البحرين إلى مجلس التعاون الخليجي في 1981 ثم تم افتتاح جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية في 1986 بعد محاولات إيران دعم انقلاب داخل البحرين في 1981 تلتها محاولات انقلابات عديدة ومنذ يوليو 1995 استضافت البحرين الأسطول الأميركي الخامس ويمتد نطاق عمله إلى أكثر من 25 دولة في الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي وثلاث نقاط حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.
كانت القمة حاسمة لم تنتقد إسرائيل على عدوانها المتكرر والمستمر بل انتقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس حركة حماس بأن العدو لا ينتظر الذرائع لارتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني في إشارة إلى أن قرار حماس المنفرد اتخذ في طهران التي تود خدمة روسيا المتورطة في حرب أوكرانيا لإشغال الغرب في حرب أخرى وفي نفس الوقت تحصل إيران على 300 طن من اليورانيوم من النيجر التي تسيطر عليها روسيا.
وفي نفس الوقت تود إيران اختراق تاريخي في تدمير العلاقة الأمريكية السعودية على صخور الحقائق الجيوسياسية العتيدة من أجل إقامة دولة فلسطينية، وهو انجاز مصمم لمواجهة النفوذ الصيني الروسي المتزايد في جزء حيوي من العالم عبر إقامة الممر الهندي المار بالسعودية وإسرائيل إلى أوروبا للاستغناء على الطاقة الروسية، خصوصا بعدما نجحت السعودية في وقف انخراط أمريكا في مؤامرة لمنع منافستها الإقليمية إيران، وسعت السعودية إلى تمتين علاقتها مع الصين وروسيا ما أقلق الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت ترى إيران إقامة الدولة الفلسطينية نهاية لمشروعها محور الممانعة وهو مكتسب حققته على مدى عقود لكنها ستتنازل على مضض بعد صعود المارد السعودي، ما يعني أن الساحة العربية تحولت إلى ملعب دولي بين القوى الكبرى المتصارعة لكن السعودية تقف في مجابهة هذا الصراع على الأرض العربية.
لأن هناك سياق دولي أدى إلى تلك النزاعات منذ مجئ بايدن بعدما كان العالم هادئ في زمن ترمب، بل حاول دمج كوريا الشمالية في العالم، وأراد عمل مؤتمر سلام لدمج كوريا الشمالية، لكن بعد مجئ بايدن انسحب بشكل مفاجئ ومهين من أفغانستان، ودخل في مواجهة مع روسيا بعدما ساعد في توسع الناتو نحو روسيا الذي اعتبرته تهديدا لأمنها القومي، أدى إلى نشوب الحرب الروسية في أوكرانيا، ثم اتجه بايدن إلى عزل السعودية، مما أدى إلى تهديد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لأكثر من 75 عاما.
ما فرض على السعودية أن تتجه شرقا، وترعى بكين تهدئة بين السعودية وإيران من أجل تحقيق مشروعها الحزام والطريق، مما أربك الخطط الأمريكية، فأعاد بايدن علاقته مع السعودية خشية من هيمنة الصين وروسيا على منطقة حيوية يهدد المصالح الأمريكية، وتوصلت أمريكا إلى إعلان الممر الهندي في قمة العشرين التي عقدت في الهند، مستثمرا امتلاك السعودية مشروعا تنمويا يلتقي مع مشاريع الشرق والغرب، خصوصا مع أوروبا التي توقفت عن الاعتماد الكلي على الطاقة الروسية، بعدما حيدت السعودية المشاريع الأخرى الإيراني والتركي والأمريكي، لكن اشترطت السعودية إقامة دولة للفلسطينيين من أجل إنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
بالطبع وجدت إسرائيل هذه الحرب فرصة لتصفية القضية الفلسطينية والعودة إلى ما قبل 2005 من أجل إعادة بناء المستوطنات كما كانت في عهد شارون كمستوطنة غوش غطيف، وليس هدفها التخلص من حماس، بل التخلص من غزة نفسها التي تود التركيز على الأردن الحلقة الأضعف هي وإيران لكن رغم صغر الأردن لكنها كنز استراتيجي للغرب، وتستثمر إسرائيل الوضع الاقتصادي المنهار في مصر وأنها تحيط بها أزمات من جميع الجهات، رغم ذلك تبقى مصر دولة وازنة وراسخة لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية وتهجيرهم إلى سيناء، رغم أن قرار طوفان الأقصى لم تستشار فيه مصر ولا العرب، لكن استراتيجيا لن تقبل مصر بهزيمة المقاومة ،بل وتهدف إلى أن تتلقى إسرائيل خسارة إستراتيجية من أجل أن تقبل بقيام دولة فلسطينية، وهي التي تفاوض نيابة عن حماس مع بيرنز رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية، حتى أن المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية اتهم مصر أنها عرقلت دخول الجيش الإسرائيلي رفح، ويعتبر انقلاب الجيش المصري على إسرائيل دراما سوداء، وتخشى إسرائيل من قوة مصر التي تمتلك 4 آلاف دبابة منها ألفين منها دبابات حديثة، وقفلت مصر معبر رفح وهناك 6 معابر بين غزة وإسرائيل، ما جعل وزير الخارجية الإسرائيلي يتصل بوزير خارجية ألمانيا وبريطانيا لإقناع مصر بفتح معبر رفح، وبالفعل ما توقعته مصر طالبت إسرائيل مصر بفتح معبر رفح للاجئين الفلسطينيين لكن مصر رفضت ذلك، ما جعل أمريكا تقيم ميناء عائم قرب غزة لنقل المساعدات ورفضت إسرائيل الاشتراك فيه.
هناك إجماع عربي في القمة العربية على عقد مؤتمر دولي للسلام حول إقامة دولة فلسطينية مستثمرة المزاج الدولي ضد حرب الإبادة في غزة التي قامت بها إسرائيل، وهناك 24 ديمقراطي طالبوا بايدن بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل إلى جانب انتفاضات كونية في جامعات أمريكا وفي بقية أنحاء العالم ضد التطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل في غزة، كما استثمرت القمة تصويت 143 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وهو مشروع سعودي تبناه العرب في قمة بيروت عام 2002، لكن تتحفظ أمريكا على عقد مؤتمر السلام حتى لا تشترك فيه الصين وروسيا، فيما هي ستدعم دولة فلسطينية مستقلة، لأن السعودية لن تقيم علاقة مع إسرائيل إذا لم توافق على إقامة دولة فلسطينية لأن مشروع الممر الهندي الأخضر يمر بإسرائيل.
فضلت السعودية المواجهة الدبلوماسية والبناء على الجهود التاريخية التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، ففي عام 1964 تم إنشاء منظمة التحرير، وفي 1974 في قمة الرياض اعتبرت القمة أن منظمة التحرير الممثل الوحيد للفلسطينيين، وفي قمة الجزائر عام 1981 وافق العرب على إقامة دولتين في فلسطين، ثم تلى تلك القمة مؤتمر مدريد وأسلو 1993 للسلام، لكن إسرائيل لم تحقق اتفاق السلام في أسلو ودعمت الانقسام الفلسطيني من أجل حتى لا تقام دولة للفلسطينيين بموجب أوسلو للسلام.
تأتي قمة البحرين 2024 امتدادا لقمتي نوفمبر 2023 في السعودية العربية والإسلامية الاستثنائيتين نتج عنها تكليف وزراء خارجية يتكون من السعودية، الأردن، مصر، قطر، تركيا، إندونيسيا، نيجيريا، فلسطين، والأمينين للجامعة ومنظمة التعاون الإسلامي، يبدأون بتحرك دولي لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية جادة، بجانب اللجنة السداسية برعاية سعودية حشدت المجتمع الدولي للتصويت لدولة فلسطينية، وعقد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نحو 32 اجتماع مع مسؤولين دوليين، ونحو 73 اجتماع لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بجانب 15 زيارة في شتى بقاع العالم.
حمل بيان القمة مجلس الأمن الدولي مسؤوليته في نشر قوات دولية لحفظ السلام حتى قيام دولة فلسطينية بعدما رفض العرب اقتراح إسرائيل بتولي العرب مسؤولية إرسال قوات عربية إلى غزة، وفصل القضية الفلسطينية عن أمن البحر الأحمر، لأنه نتج عنه اصطفاف دولي بسبب تهديد أمن البحر الأحمر ولم ينفع القضية الفلسطينية كما يدعي الحوثي، بل يود الحوثيين استثمار قضية غزة لتحقيق مكاسب جوسياسية خاصة بهم في الداخل اليمني، كما أضر بالاقتصاد المصري والعربي والدولي، والقمة تدعم القضية الفلسطينية بعيدا عن أي مواجهة مسلحة، ودعم دور جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ،وتتجه نحو تشكيل موقف عربي دولي لنسف الحروب وإحلال السلام العادل للانتصار للمعركة الإنسانية باعتبار خيار السلام خيار استراتيجي.
– أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى سابقا