في كل عام هجري يأتي إلى أم القرى ملايين المسلمين لأداء مناسك الحج استجابةً لنداء سيدنا إبراهيم الخليل – عليه السلام-، وتعيش أرض المشاعر – مكة المكرمة، ومنى، وعرفات، ومزدلفة- أياماً معدودة ومشهودة تتجلى فيها أسمى وأروع مظاهر الأخوة والتعاطف والتراحم وأجمل مكارم الأخلاق الإسلامية في أبهى صورها وأعلاها، خلال تلك الأيام المباركة، التي تذوب فيها كل الفوارق البشرية، وتتلاشى فيها الحدود السياسية والطبائع الجغرافية، وتندمج في مجتمع واحد، جاءوا من كل فج عميق يقولون: لبيك اللهم لبيك.
تلتقي تلك الجموع بلباس واحد، بعيدين كل البعد عن المظاهر الدنيوية التي تبرز مكانة الأغنياء بين الناس عن الفقراء، لأن الرداء واحد، والنداء واحد، والمكان واحد، على صعيد واحد، والمطلب واحد، وهو مغفرة الذنوب وقبول التوبة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
إذاً.. المقصد والهدف متحدان، هؤلاء جميعاً تجمعهم عقيدة التوحيد جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويؤدوا نسكهم وليطوفوا بالبيت العتيق، أقبلوا بقلوب مؤمنة لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، حيث حققوا باقي الأركان في بقاعهم، وهنا كانت البقية.
وهذه الأرض الطيبة التي أكرمها الله بهذه الشعيرة الكريمة – وبأجلّ خدمة وأروعها- حظيت برجال جعلوا همتهم خدمة وحراسة مقدسات الإسلام ورعايتها، ورعاية الوافدين إليها والعناية والمحافظة على ضيوف الله وإكرامهم ابتغاء مرضات الله ونيل ثوابه، وتهيئة كافة السبل والمواصلات -المواد الغذائية، الإسكان- من أجل أدائهم لنسكهم بأمن وأمان وطمأنينة.
وقد سخرت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله- كافة إمكاناتها وجُل جهودها لخدمة المشاعر، وصرفت عليها الأموال الطائلة من أجل خدمة ضيوف الرحمن، لاتبتغي بذلك جزاءً ولا شكوراً من أحد إلا من رب العالمين.
وهذا العمل يأتي إيماناً من قيادة المملكة – أيدها الله- ومن العاملين في خدمة ضيوف الرحمن بأنه شرف عظيم خصهم الله به، دون غيرهم، يسعدون بأدائه ويبذلون كل غالٍ ونفيس في سبيل إتمامه، واستجابةً لأمر الله – سبحانه وتعالى- لخليله إبراهيم وابنه إسماعيل: “وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَةٗ لِّلنَّاسِ وَأَمۡنٗا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ” (البقرة: 125). ورسالتنا في المملكة – بفضل الله- امتداد لرسالة ودعوة سيدنا إبراهيم – عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام-.
وأخيراً.. أختم في هذا السياق بقصيدة لأستاذي حاتم بن حسن قاضي نُشرت بمجلة “الحج والعمرة” عدد رقم (871)/ محرم 1439هـ تحت عنوان ” حج الحجيج ولله الحمد”، وفيها يقول:
مَنَّ الكريمُ بتوفيقٍ وإحسانِ
فالحمدُ للهِ ما للهِ مِن ثاني
هلَ الحجيجُ وحفظُ اللهِ يكلؤهمْ
والعينُ تحرسُهمْ مِن كلِّ شيطانِ
مَنْ يفعلِ الخيرَ لا يُعدمْ جوازيَهُ
واللهُ يكرمُ إحساناً بإحسانِ
حُسنُ البدايةِ في الاعمالِ يجعلُها
تسيرُ سيرا سليما دون خسرانِ
فالشكرُ للهِ كم للهِ مِنْ مِنن
والشكرُ يحرسُنا مِن شرِّ خذلانِ
فاعملْ بصدقٍ لوفدِ الله إنهمُ
يرجون مَنَّاً مِن المولى بغفرانِ
واغنمْ مِنَ العُمْرِ أياماً لخدمتِهمْ
فالعمرُ يمضي ولا يبقى لإنسانِ
وصغتُ تهنئتي بالشعرِ أرفعُها
لخادمِ الحرمين البدرِ سلمانِ
جهودُه لديارِ الطهرِ ظاهرةٌ
فانظر ترى جهدَه في كلِّ عنوانِ
هذي المشاعرُ والحجاجُ تقصدُها
بدتْ مطورةً في كلِّ بنيانِ
والعاملون تفانوا حينما خدموا
بهدي طه شفيعِ الإنسِ والجانِ
فإنما الدينُ أخلاقٌ ومرحمةٌ
قد جاء بالنص في آياتِ قرآنِ
وبعد أهدي ولي العهد تهنئة
بفضل ربي عظيم الفضل والشانِ
رباه ندعوك فاغفر للذنوبِ وجُدْ
بالعتقِ يا ربَّنا من حرِّ نيرانِ
واقبلْ إلهي مِنَ الحجاجِ حَجّهمُ
وامننْ برحمتِك العظمى ورضوانِ
ثم الصلاة على المختارِ سيدِنا
خيرِ الانامِ مع آلٍ وخلانِ
ما جاء وفدُ الحجيجِ البيتَ مبتهلاً
ساروا لربٍ بإسلامٍ وإيمانِ