المقالات

المجلات العلمية…طرائف ومواقف!!

لقد أصبح البحث العلمي هو الأساس الذي يُقاس عليه مدى تقدم الأمم وتطورها، والعالم ما كان له أن يبلغ هذه المراحل العلمية المتقدمة، لولا اعتماد الإنسان على الملاحظة، والبحث، والاستقراء، ثم الاستنتاج، مستفيدًا مما أعطاه الله -سبحانه- من طاقات عقلية كبيرة، مكّنته من التأمل، والتدبر.
ونشأت من أجل ذلك ما تُسمى بأوعية النشر العلمي، وهي المجلات العلمية المحكمة لنشر الأبحاث العلمية، التي يقوم بها العلماء والأكاديميون في الجامعات والمراكز البحثية، وتوجد لهذه المجلات ضوابط وشروط صعبة للغاية في سبيل النشر عليها، وتتميز بكثرة الاستشهاد، والاستدلال، وتعتبر الطريق للترقية العلمية، وحصد الجوائز العالمية؛ ومن أشهر هذه المجلات العلمية: مجلة (الطبيعة) ومجلة (العلوم)، ومجلة (المشرط) ومجلة (المكتشف).
تخضع هذه المجلات لرقابة شديدة فيما ينشر عليها من محتوى، وترتفع نسب معاملات التأثير لهذه المجلات عن غيرها، سواء التي تتضمنها قواعد بيانات (سكوب)، التابعة لدار النشر الهولندية، أو (إل سفير) أو غير ذلك من قواعد معاملات التأثير الأخرى.
ومع هذه المكانة الكبيرة، لم تسلم بعضها، من الأخطاء الشنيعة، والتي يمكن أن تُعد من قبيل الأخطاء (النادرة) أو (الطريفة)، ومن هذه الأخطاء:
قصة العالمان الأمريكي (بول ولوتربر) والبريطاني (بيترمانسفيلد)، قدما بحثًا مشتركًا لنشره في مجلة (الطبيعة)، وكان بعنوان: “الرنين المغناطيسي في التشخيص أو ما يُعرف (MRI)”، لكنه لم يحظَ بالقبول للنشر بحجة ضعفه؛ والغريب أنه تم نشره بعد ثماني عشرة سنة في مجلة أخرى، ونال بموجبه العالمان جائزة نوبل في عام 2003م، وشكَّل البحث أحد أهم الوسائل المتقدمة التي تُتيح النظر إلى داخل جسم الإنسان الحي.
وأيضًا قصة “العالمان البريطانيان” (واتسون) و(كريرك)، قدما بحثًا مشتركًا لمجلة (الطبيعة)، يتكلم البحث عن الصبغة الجينية، أو ما يُعرف (DNA)، وكان أول بحث يعمل في هذا الحقل، والغريب أنه تم رفض نشره في المجلة، بل بلغ الأمر أن البحث لم يرسل حتى للمراجعة.
قام بعدها العالمان بنشر البحث نفسه في مجلة أخرى، وحصلا بموجبه على جائزة نوبل عام 1962م، وكان من أشهر الأبحاث في القرن الميلادي الماضي، والذي ساعد في معرفة كل المعلومات الهامة حول المادة الوراثية.
وقصة مجلة (المشرط) والتي تعتبر من أشهر المجلات الطبية؛ فقد حدث أن قام الطبيب البريطاني (أندرو ويكفيلد) بتزوير بحث عن العلاقة بين التطعيم الثلاثي (MMR)، ومرض التوحد عند الأطفال، مما حدا ببعض الباحثين إلى وصف هذا التزوير بأنه (الكذبة الطبية الأكثر دمارًا منذ مئة عام)، والغريب أن هذا البحث تم نشره في هذه المجلة العالية الاستشهاد.
حدث كل هذا في مجلات تُعد من أرقى أوعية النشر العلمي وأقواها في العالم، بل إن فرصة النشر فيها تُعد فوزًا كبيرًا؛ إذ لا ينشر فيها إلا بمعدل بحث واحد لكل ألف طلب نشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى