النصيحة هي: تقديم الرأي الصائب لشخص أو أكثر بطلب أو بدون طلب لكسب الفائدة، وقد حثنا الدين الإسلامي على النصيحة، وعلى الحرص على طرحها للفائدة لإخواننا في كل مكان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ)
وتزيد أهمية وقيمة النصيحة في أوقات الأزمات والمحن والمصائب عندما تحدث، ولكن بعض النصائح تُعتبر أسرارًا يجب الاحتفاظ بها أو أن تقدمها للشخص المناسب الكفء الذي يقدر النصيحة ويحفظ سر الناصح.
ولعل من القصص التي يجب الاستفادة منها قصة السيد الألماني (شميدت) الذي كان سجينًا في سجون ألمانيا الشرقية في الستينيات الميلادية في حقبة الحكم الشيوعي، والتي كانت السجون في ذلك الوقت تُعتبر أسوأ سجون في العالم من حيث المعاملة فلا رياضة ولا تعليم ولا ترفيه ولا زيارة، ولا يوجد إلا الضرب والإهانة والعذاب المستمر، وكانوا حراس السجون والقائمين على المساجين من أشد الرجال وأشرسهم في التعامل.
ولكن استطاع السيد “شميدت” أن يجعل حراس السجون يتعاملون معه بطريقة رائعة، فقد حصل على امتيازات لم يحصل عليها أي سجين، فقد كان التعامل معه باحترام وتقدير ويقومون بتلبية رغباته قدر الإمكان، ولا يكلفونه بأعمال شاقة أو غير ذلك بينما كان زملاؤه المساجين كانوا يعانون الأمرين من الجلد والتعذيب والتكليف بالأعمال الشاقة، مما جعل المساجين معه ينظرون إليه بعين الاتهام بأنه جاسوس عليهم، وأنه ينقل الأخبار إلى القائمين على السجن، وقد حاول السيد “شميدت” أن ينكر الاتهام الموجه له بكل الوسائل إلا أن المساجين مصرون على ذلك، حتى تم الضغط عليه من المساجين بأن يخبرهم ما هو السر في تلك المعاملة، فقام “شميدت” بسؤالهم ماذا يكتبون في رسائلهم لأهاليهم نهاية الأسبوع فأجابوا بلسان واحد نكتب عن الإهانة التي تحصل لنا في السجن وسوء المعاملة ونتطرق أحيانًا إلى سب وشتم الحراس، فرد “شميدت” وقال: أنا عكسكم تمامًا أنا أكتب في رسائلي لعائلتي عن أجواء السجون الجميلة، وعن حسن المعاملة من القائمين على السجون وأخلاقهم الرائعة وأمتدح المسؤولين عن السجون بشكل عام. فقالوا له: وما سر ذلك في حسن معاملتك؟ وأنت تعلم بأنهم يعاملون السجناء أسوأ معاملة. فرد قائلًا: أنتم تعلمون بأن أيام السجن مُرة للغاية وصعبة جدًا وأن تعامل الحراس سيئ للغاية، وعندما سُمح لنا بالكتابة إلى أهالينا كل أسبوع خطر في بالي فكرة بأن أمتدح الحراس والسجون والعاملين عليها بمعرفتي أن رسائلنا عندما نسلمها للمسؤولين عن السجون يتم فتحها وقراءتها ومعرفة كل ما فيها، لذلك عندما أكتب رسالة إلى عائلتي يتم قراءتها ويعملونني بمعاملة جيدة خلافكم؛ لأنكم تكتبون عبارات سيئة؛ فلذلك سوف تكون ردة الفعل غير جيدة لا سيما الوضع العام للسجون.
فعليكم تغيير أسلوب الكتابة إلى الأفضل وامتداح السجون والعاملين عليها بطريقة تجعلهم يتعاملون معكم بطريقة جيدة فيما بعد، وبدأوا يغيرون أسلوبهم امتثالًا لنصيحة السيد “شميدت” وانتظروا جميعًا التغيُّر إلى الأفضل، ولكن كانت المفاجأة غير سارة للجميع فقد كانت المعاملة أسوأ من قبل على جميع المساجين بما فيهم “شميدت” بل كان أسوأ تعامل معه، مما دعى “شميدت” إلى سؤال زملائه المساجين ماذا حصل ؟ ماذا كتبتوا في رسائلكم لأهليكم ؟
فقالوا لقد كتبنا إن السيد “شميدت” علمنا طريقة جديدة نخدع بها الحراس ونقوم بمدحهم بالكذب والخداع، ونحن نعلم بأنهم أسوأ بشر قد تم التعامل معهم !
غضب “شميدت” على زملائه لعدم تصرفهم بالشكل المناسب مع النصيحة التي أسداها لهم، وبدأت رحلة العذاب على الجميع بدون استثناء، ولكن كان أشد المعذبين هو السيد “شميدت”.
في النهاية نجد أن النصيحة مطلوبة ولكن يجب أن تطلب النصيحة ولا تسدى بطريقة عامة لكي يتم تقديرها، وتكون لمن يحفظون الود والمحبة، ويقدرون الناصح ولا يفشون الأسرار.
قصة السيد “شميدت” الغرض من عرضها هنا ليس لمجرد السرد أو الاستشهاد ولكن للاستفادة، فما أحوجنا لفن التعامل وأسدي النصح والإرشاد لمن يستحقه، والحذر من إفشاء الأسرار لكل الناس والتعامل بحذر مع الجميع دون استثناء.