تتعدَّد مفاهيم وتعريفات العدالة الناجزة، ولكن تتمحور جميعها في سرعة إجراءات التَّقاضي وسهولتها، ودِقَّة الحكم الصادر فيها.
وقد بات جليًّا في السنوات الماضية مدى أهميَّة تطبيق مفهوم العدالة الناجزة، فصاحب الحق وإن كانت لديه البيِّنة الموصلة على صِحَّة ما يدَّعيه من حقّ، فهو يبتغي الوصول إليه في أسرع وقتٍ ممكن؛ منعًا من حرمانه إيّاه خلال فترة التقاضي، وقد قيل: “العدالة المتأخِّرة حرمان من العدالة”.
إن تطبيق مفهوم العدالة الناجزة يُعدُّ علاجًا فعّالًا لمن اعتاد المماطلة في أداء الحقوق، وأكل أموال الناس بالباطل، وقد أصبغ النبي ﷺ صِبغة الظلم على من يُماطل في أداء الحقوق، وعدّها من الظلم البيِّن، فقد صحّ عنه ﷺ أنه قال: “مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْم”.
وبفضل من الله فقد قفزت المملكة العربية السعودية -بتوجيهات من قيادتها الرشيدة- أميالًا طويلة في تحقيق مفهوم العدالة الناجزة؛ بدءًا من تحرير الدعوى وحضور جلساتها عن بُعد، وانتهاءً بتقديم الحُكم الصادر فيها لدى التنفيذ بواسطة منصة “ناجز” بالنسبة لوزارة العدل، ومنصة “معين” بالنسبة لديوان المظالم.
وكما يُلاحظ فإن هنالك علاقة طردية بين تطبيق الدولة لمفهوم العدالة الناجزة وبين الإقبال على الاستثمار في هذه الدولة، فالمستثمرين أو التجَّار يسعون دائمًا إلى اختيار أسرع الوسائل لفض النزاع فيما بينهم، وهو الذي يُفسِّر سبب احتواء غالب عقودهم على شرط التحكيم.
ولكن شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم ليست على الدوام هي الحل؛ خاصةً إذا وُجد التعنت بين أطرف النزاع؛ فيكون حينها القضاء هو الحل، وتكون العدالة الناجزة هي مقياس المقاربة بين القضاء وطرق فض النزاع الأخرى.
وفي الختام فإن الحرص الدائم على تطوير المنظومة العدلية لتتسق مع مفهوم العدالة الناجزة؛ سيقوي مبدأ العدالة الوقائية، وهو المبدأ الذي لا يُعنى فقط بالفصل في المنازعات، وإنما يمتدّ إلى ما بعد ذلك وقبله؛ عبر الحدّ من نشوء النزاعات، وإعطاء الحقّ لمستحقّه حال نشوء النزاع دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء.
– مستشار قانوني وشرعي
مكة المكرمة