القاصة، الساردة، بطلة الرواية، ذكّرتنا بروايات (فيودور دستيوفيسكي) الذي أُعدم بسبب قوله فيما أظن [“إن استطعتُم أن تقنعوني أنّ الله ليس هو الحقيقة، وأنّ الحقيقة ليست هي الله، فإنني سأختارُ أن أتمسّك بالله وأن أتخلّى عن الحقيقة”].
فاتخذت من الشقاء المتواصل في أحداث الرواية تراجيديا تخلو من الفكاهة والفرح، إلا فيما ندر، والدراما بتصاعد الأحداث؛ في الأماكن والمنازل التي سكنتها، وعددها ثلاثة عشر منزلًا، يحدوها الأمل في إيجاد سعادتها وبذل الجهود لمحاولة التعايش مع واقعها؛ الكائن من غير إرادتها، والصبر على الفقر وزهد العيش، لعلها تجد مخرجًا لها من بين جدران المنازل التي كانت تصفها بشكل تصويري بارع، وكل تفاصيلها الدقيقة، بشكل يجعل القارئ يعيش فيه، فيتعاطف أحيانًا، فتكثف الكاتبة للقارئ الوصف فيخرج من واقعه إلى واقعها المعاش في الرواية، وهذا إبداع من الروائية للاستحواذ على متابعتها بلا ملل رغم الشقاء.
الواقعية وسرد الأحداث يُعيدنا إلى كل تفاصيل المنازل والمدينة (مكة وجدة)، والقرية والمزارع وسلوك وطبيعة الإنسان فيها بطريقة قد تُشكل مرجعًا للدراسة الفيسيولوجية، والنشاطات الحركية واللفظية؛ المسموعة والمنظورة، والتفكيرية الفردية، والتذكرية، وفيما يطلق عليه مصطلح (الجغرافيا الاجتماعية)؛ عند دراستها في فضاء المكان، سواء كان المكان في قرية أو مدينة، وتكيُّف الإنسان للمكان حسب مولده وانتمائه.
كما أن عرض الرواية للسائد لدى سكان المدن القادمين من القرى، والتحولات التي حدثت سواء للمدن أو القرى، بفضل هذا الانتقال؛ يُشكل مصدرًا لدراسات النقد البيئي لكل من القرية والمدينة في الوقت نفسه.
لم يكن للخيال نصيب إلا بومضات بسيطة قد لا تذكر في الرواية، وهذا يضيف بُعدًا وحيزًا لنجاح الروائية؛ لما يُسمى (مخاتلة القارئ)، والمضي مع البطلة بلا خيال ولا مفاجأة.
الأسلوب في السرد كان من السهل الممتنع لما تتمتع به الروائية من سعة أفق وسعة اطلاع، فكانت تصف الأشياء والمشاهدات بشاعرية؛ وتصورها بإجادة تامة، وبخلت بشعرها على القارئ، واستطاعت الروائية تحييد ملكة النقد لديها والإسهاب في السرد بثقة تامة؛ وكأنها ليست هي.
لم تترك الروائية للقارئ مجالًا تصاعديًا للتراجيديا وآخر هابطًا، ليجد ما ليس متوقعًا أو مفاجئًا بالحدث، بحثت البطلة عن الواقعية فلم تجدها؛ واكتشفت أنها لم تجد إلا الزيف -“فكلنا مدَّعون، وحمقى أيضًا لأننا نجهل حتى ما ندّعيه”- وهذا رغمًا عن واقعية الرواية المطلقة، ولكن لأن الواقع شيء لا يمكن الإمساك به.
فهل وجدت الكاتبة ذلك فيما كتبت وأبدعت فيه؟
0