استوقفتني بإعجاب شديد في ترويسة “صحيفة مكة الإلكترونية” معلومة “أول صحيفة تفوز بجائزة وزارة الحج الإعلامية لمدة ثلاث سنوات متتالية”، والتي تأتي دلالة على رصد مسيرة وتقصي ومواكبة من الصحيفة تميّزت بها كبادرة عن المعهود سابقًا، ولعلها لامست في نفسي كمًا من الجهود الإعلامية بذلت كي تنال شيئًا مما تستحقه من الجهات المعنية دعمًا وتحفيزًا؛ فذكرتني بأربعة عقود تشرفت خلالها بكتابة أكثر من 500 مقال وأكثر من بحث عن الحج والعمرة؛ فمن يسبر أغوار مسيرة ما تقوم به المملكة العربية السعودية نحو خدمة ضيوف الرحمن يشعر بعظمة الرسالة وجودة الأداء، هذا على المستوى الشخصي، فكيف إذا تُرجم ذلك من خلال صحيفة تسخر إمكانياتها المهنية والحرفية ثلاثة أعوام بتميز، أكيد ستكون أكثر شمولية وأعمق بُعدًا وأوضح رسالة ومن قلب الحدث، ولعل ذلك نهج موفق من قبل الجهات المعنية تجاه صحيفة عرفت كيف توظف إمكانياتها في تغطية هذه الشعائر، التي وصلت وتوافقت مع تقصيها المهني عالي الجودة إلى ما قبل 30 عامًا حينما قارنت بين موسم الحج السنوي الذي تتكفل بتنظيمه دولة رائدة، وبين كأس العالم كل أربع سنوات، والذي قد تكابد كل دولة عقدين أو أكثر من أجل أن تكون قادرة على تقديم عروضها لتنظيم المونديال حيث تنظمه أي دولة كل نصف قرن تحت رقابة ورصد ولجان ترصد وتتأكد، هذه الأيام تستعد مكة المكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة لاستقبال أكثر من مليوني حاج؛ حيث جهود المملكة المميزة بفضل الله في تنظيم كل حج وخدمة الحجيج والمعتمرين لا ينكرها إلا جاحد ومكابر، فالحج الركن الخامس من أركان الإسلام واجب على كل مسلم مقتدر بدنيًا وماديًا، والعُمرة وهي شعيرة مقدسة لكن للأسف بعض الإعلام غير مُنصف، وقد نعزو ذلك لسبب مهم وجوهري وهو أن المملكة العربية السعودية تتكفل بكافة ما يترتب من تكاليف وبُنى تحتية، وذلك في سبيل تيسير تأدية الحجاج والمعتمرين مناسكهم في يسر وسهولة، وهذا تكليف رباني تشرفت به المملكة قيادة وحكومة وشعب بتنظيم الحج وشرف المكان والمقام والزمان، وكما ذكرت مرارًا لا وجه للمقارنة بين الحج وأي حدث عالمي ومن أكبرها وأهمها كأس العالم؛ حيث يُلاحظ أن الاعتماد لأي دولة يتم قبل 12 سنة، تكون السعودية قد استقبلت خلالها قرابة 144 مليون حاج ومعتمر، بمعدل 12 مليونًا سنويًا، فالمتابع لملف الدول التي تتنافس دائمًا على استضافة كأس العالم أو الأولمبياد، يلمح كم من المشاريع والمنجزات تتباهى تلك الدول بها أو بتنفيذها مستقبلًا لهذا الحدث وقد تطلب معونات وهبات للمساعدة، حيث تعطى كل دولة بعد الترشيح مهلة، والذي مهما بلغ رواده لن يصل إلى أي نسبة تُذكر مع نسب الحجاج والمعتمرين، الذين تستضيفهم المملكة العربية السعودية كل عام، بينما كأس العالم قد لا تستضيفه الدولة إلا مرة واحدة خلال «قرنين» من الزمن بحكم أن الفيفا حاليًا يضم «208» دول، ثم إن استضافة كأس العالم تدر مبالغ خيالية لأي دولة مستضيفة، تدخل في خانات عشرات المليارات، بينما الحج وبفضل الله ثم ما تتبناه الدولة السعودية لا يحقق أيًا من ذلك بالنسبة للدولة التي حرصت وكما أشرت بعاليه على أن تكون الخدمات متوفرة خدمة لضيوف الرحمن.
ثم إن من يقدم لمشاهدات أحداث كأس العالم في الغالب من الأثرياء، أو من ذوي الدخل الجيد، ومن الشباب وذوي البنية الصحية الجيدة، ومن المتعلمين، بينما أغلب القادمين للحج من ذوي الدخل المحدود، بل الكثير ممن هم تحت خط الفقر وكبار السن والمرضى، وهذه فوارق مهمة تحدد من خلالها التبعات الكبيرة للدولة المستضيفة.
ولعل الجهود الجبارة المتنوعة، التي تُقدمها السعودية سنويًا لحجاج بيت الله، خير دليل على ذلك، ثم إن كأس العالم قسّم بين أكثر من دولة منظمة كما حدث في 2002م بين اليابان وكوريا، وفي أكثر من مدينة، بينما الحج تتشرف بكل فخر السعودية وحدها بتنظيمه، وفي مساحة تحتضن أحيانًا أكثر من ثلاثة ملايين حاج من شتى بقاع العالم، حيث يكتمل كل عام بتوفيق الله جمع الحجيج المبارك بهذا الزخم الهائل من الخدمات المسخرة للجميع، بدءًا من ممثليات خادم الحرمين في الخارج، مرورًا بميناء الوصول حتى لحظة الوداع.
ومن خلال هذا الكم المتقن من المرافق، التي أولت حسن الأداء والجودة جُل عنايتها، ومن خلال تلك المنجزات الجبارة والمتلاحقة التي سخرت بسخاء منقطع النظير، خدمة لضيوف الرحمن، بدءًا من توسعة الحرمين الشريفين أضعافًا مضاعفة، ومرورًا بتطوير المشاعر في كلٍّ من «منى وعرفة ومزدلفة» والمواني والمواقيت وإنشاء المجمعات السكنية وأحدث الطرق العالمية، وفق أحدث ما توصل إليه العالم، من جسور وأنفاق وطرق وقطارات، ومد شبكات المياه والكهرباء والهاتف، وكل ما من شأنه تسهيل سكن وتنقلات وأداء نسك الحجيج، بكل يسر وسهولة، وذلك من خلال منظومة متكاملة وحلقات كبيرة متواصلة، ومثل ما ينطبق بحق الحج، ينطبق بحق العمرة طيلة أيام السنة، ولعل عدم سعي السعوديين أو حتى تفكيرهم، في تحويل الحج إلى سلعة للتكسب المادي أو البهرجة الإعلامية، هو ما جعل الإعلام وبالذات الغربي، يتجاهل إعطاء الحج النصيب الأوفر من الإشادة الصادقة المواكبة، حتى مع جائحة كورونا والحرب الأوكرانية واجتياح غزة قامت وتقوم السعودية بما يشرفها ويسعد الحاج والمعتمر، وثقتنا بالله أولًا ثم بإنصاف العقلاء وهم كُثر ولله الحمد، تشفع لنا بأن لا نلقي بالًا للمتربصين بنا.. وهذه لغة ردنا وسمة مشاعرنا نحو أولئك الناعقين، محتسبين الأجر من العلي القدير قيادة وحكومة وشعبًا .. وشكرًا لصحيفة مكة الإلكترونية على التوجه والتميز والانفراد النوعي، الذي قادني لهذه الإشارة التي تتعاظم معها السعودية، وتضاهي وتفاخر قولًا وعملًا بالتميز العالمي الفريد في التنظيم الشمولي للحشود المليونية في مساحات محدودة وتضاريس ومناخات وساعات معلومة ولغات وأعمار شتى.