المقالات

انتهاكات حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في غزة وآثارها العامة على الإسلاموفوبيا

“الكابوس في غزة أسوأ من كونه كارثة إنسانية، بل هي أزمة بشرية”- (الأمين العام للأمم المتحدة).
البشرية اليوم على مفترق الطرق في غزة. وستحدد طريقة استجابة المجتمع الدولي لهذه المأساة، سُبل التعايش المستقبلية بين الأجيال المقبلة في عالمنا.
وعلى الرغم من أن غزة ظلت “سجنًا مفتوحًا” لأكثر من عقدين، فإن حوادث 7 أكتوبر 2023م تُمثل “نكبة ثانية”، وستبقى الوقائع الكارثية حيّة في ذاكرة الشعب الفلسطيني والعالم بأسره الذي يشعر بالفزع إزاء الانتهاكات لحقوق الإنسان وإفلات مرتكبيها من العقاب. وقد انكشفت هذه المأساة في الوقت الذي كان المجتمع الدولي يحتفل بالذكرى السنوية الـخامسة والسبعين لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم تزايد الخسائر البشرية المؤسفة في غزة.
وقد وثقت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية الأخرى، في مختلف شهاداتها، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، نفَّذت العديد من الهجمات العشوائية في غزة؛ وذلك في انتهاك صارخ لمبادئ القانون الإنساني الدولي. ولا شك أن كل هذه الأفعال تُشكل جرائم حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى الحكم التاريخي الأخير الصادر عن محكمة العدل الدولية التي قضت أنه من المعقول أن ترتقي أعمال إسرائيل غير القانونية إلى جريمة الإبادة الجماعية، وأصدرت المحكمة بهذا الشأن ستة تدابير مؤقتة.
وفي هذا السياق، لا بُد أن نعلم أن مفهوم “الإسلاموفوبيا” يعرف عادة بأنه حالة الخوف المفرط من الإسلام والمسلمين، والتي قد تتطور إلى سلوك عدائي، مثل: الإساءة اللفظية والجسدية.
ومن وجهة نظري المتواضعة، إن ما نرى في مختلف أنحاء العالم من حوادث، لا صلة لها بتصادم الحضارات والأديان. بل ينبغي دراسة تلك الحوادث من منظور أوسع، آخذين بعين الاعتبار تنامي اتجاهات ظاهرة الإسلاموفوبيا نتيجة لممارسات التصوير والتنميط السلبية لها في وسائل الإعلام، وصعود السياسات اليمينية المتطرفة، وتزايد موجة الهجرة، وإخفاق سياسات الدمج في استيعاب المهاجرين.
ومع ذلك، فإنني أستطيع أن أقول إن الصورة ليست كلها كئيبة؛ فعلى الرغم من استمرار المأساة والدمار في غزة، فإن من المفارقات، أن هذه الحقيقة تُمثل فرصة لتوحيد جهود العالم الرامية إلى التصدي لواحد من التحديات الإنسانية والجيوسياسية الأكثر إلحاحًا لعصرنا الحديث، في حين نعلم أن سلوك القوات الإسرائيلية الوحشي في عدوانها على غزة ونية الإبادة الجماعية التي تُجسدها تصريحات القيادة السياسية الإسرائيلية قد أثارت موجات الإدانة التي عبرت عنها العديد من شعوب العالم تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة. ولا شك أن هذا الاتجاه سيفتح المجال لتزايد تعاطف العالم مع الفلسطينيين كما شهدناه، ومن ثم توحيد المسلمين وغير المسلمين في جهود مناهضة الاحتلال الإسرائيلي.
ولا شك أن هناك حوادث متفرقة من قبيل العنصرية المعادية للفلسطينيين، ولكن في نفس الوقت هناك غضب شعبي كبير ضد جرائم الحرب الإسرائيلية. وينعكس ذلك في المسيرات الاحتجاجية التي تم تنظيمها في العديد من شوارع العواصم الغربية، والمناقشات الشاملة على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام التقليدي، التي تنتقد العملية العسكرية الإسرائيلية، فضلًا عن توحيد الجهود في كل من مجلس حقوق الإنسان في جنيف، والجمعية العامة للأمم المتحدةفي نيويورك، ومنظمة التعاون الإسلامي في جدة.
كما يدل رفع القضية من قِبَل جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، التي انضمت إليها فيما بعد دول أخرى غير مسلمة ضد إسرائيل، على الصحوة والاستدراك الأخلاقيين.
وعلاوة على ذلك، يمكن للأزمات أن تخلق فرصًا للحلول المبتكرة والمبادرات الجريئة، التي طالما كانت مستحيلة في السابق. فهي تجبرنا على إعادة النظر في المناهج التقليدية واستكشاف سبل جديدة للتعاون، ووضعية غزة المأساوية، يمكن أن تضفي شعورًا بالحاجة الماسة إلى ضرورة الاضطلاع بجهود دبلوماسية متجددة وتفعيل الحوار والمفاوضات الرامية إلى إيجاد حلول مستدامة للقضايا الأساسية التي تؤجج الصراع.
لقد حان الوقت للحوار والتضامن، وسد باب الانقسام والخلافات، ويجب على المجتمع الدولي معالجة الأسباب الجذرية للإسلاموفوبيا. ومن الأهمية بمكان اعتبار ما يلي: (i) اعتماد صك دولي ملزم قانونًا لمنع تنامي أعمال التعصب الديني؛ (ii) تجريم بعض مظاهر خطاب الكراهية على النحو المنصوص عليه في المادة 5-ومن قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 16/18، (iii) إنشاء مرصد في مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان؛ (iv) تكثيف الجهود لإنتاج شكل حضاري من الخطاب الإسلامي الكفيل بمعالجة سوء الفهم والتصورات الخاطئة عن الإسلام.
وفي وسط هذه المعاناة والحياة المضطربة التي أضحت جزءًا من واقع سكان غزة الأليم، لا يزال هناك خيط الإنسانية المشتركة الذي يتخطى الحدود والأيديولوجيات والانتماءات السياسية. فعلينا أن نغتنم هذه الفرصة لسد الفجوات وبناء الثقة، وبوحدة الأهداف، يمكننا أن نحول موجة المعاناة إلى منارة أمل للأجيال القادمة.

– هذا المقال كُتب في أعقاب المشاركة في المؤتمر الأول للإعلام والثقافة الرقمية في مدينة قيصري التاريخية
الجمهورية التركية
26 – 4 – 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button