المقالات

الصراع مع النخب) .. (مخرجات الصراع مع الآخر)

(من المسلّم به أن ثمة حقائق ألقت وتلقي بظلالها على كاهل التاريخ العربي المعاصر في صراعه مع الاستعمار ومريديه وعملائه حتى الآن، إذ أخذوا على عاتقهم أن لا تقوم للعرب والمسلمين قائمة حضارية أبدًا، من خلال توريطهم في الخلافات السياسية والحروب البينية، ضمن دائرة التيه الحضاري المُخطط لهم سلفًا، وافتعال الأزمات، والمعارك بلا رمح ولا سنان، إذ تُمثل نهضة العرب الأصيلة والمستقلة ووحدتهم في نظرهم ونظر مريدهم، الخطر القادم والهادم للحضارة الغربية وامتيازاتها وهيمنتها، كما تشهد بحوثهم وكتبهم وتنظيراتهم المستفيضة وسياستهم التاريخية والمعاصرة والواقعية في هذا الشأن، والتي استحالت ونُظرت إلى سياسات وحروب عدوانية، وثابتة تجاه العرب وتاريخهم، عبر منظومة واسعة من المعيقات الفكرية والسياسية والعسكرية والاقـتصادية والإعلامية والأخلاقية، والتي لا تقف عند حد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
١- اختلاق الفوضى السياسية والحروب العربية الداخلية والبينية في قرابة ٧ دول عربية، من خلال تسليط إيران، والكيان الصهيوني على الدول العربية وشعوبها.
٢-افتعال المعارك السياسية والعسكرية الدموية، والفكرية حول الهوية الحضارية بتهميشها حينًا، والهجوم على ثوابتها حينًا آخر، بما لا مواربة فيه ولا حياء ولا حرج، من أجل افتعال الخلاف بالصدمة وانتظار ردود الأفعال (التوسنامية) العاطفية المؤقتة، كما حصل في ردود البيت (الإبراهيمي) سابقًا، ومؤسسة (تكوين) حاليًا، ومما يؤسف له أن السواد الأعظم من المعارضين لتلك المؤسستين، ليس لديهم سوى الاحتجاج والصراخ ورغم أهميته، إلا أنه سرعان ما يخبو أواره وتُطفى ناره، دون صنع أي فعل حضاري قوي مقابل ومستمر، غير مدركين حقيقة ماهية لب مفتاح سر الصراع في هذه القضية، والتي غابت عن الكثيرين من الغيورين في ظل العواطف الهائجة التي فعلت فعلها حماسًا وغضبًا، ثم تخبو بعد حين ثم تعود الفينة بعد الأخرى وهكذا دواليك، وهو شغل العرب بالخلافات والحروب والانشقاقات في كل الاتجاهات، ورغم تربع العلمانية وتوغل الليبرالية في المجتمعات العربية (إلا من رحم الله) منذ عهد الاستعمار مرورًا بالتغريب والعولمة وما بعد العولمة، فقد اطمئن الغرب على مستقبل العرب الحضاري والبائس والمشتت والمنقسم على ذاته، وعلو كعب مريديه في القرار الحضاري العربي المعاصر (إلا من رحم الله)، ونلحظ بين ذلك افتعال الأزمات تلو الأزمات على الساحة السياسية والعسكرية والفكرية، رغم امتلاك مريدي الاستعمار وهيمنتهم على الساحة العربية الفكرية والإعلامية والسياسية (إلا من رحم الله)؛ لينداح النظر العميق في الخطوة الثانية المتكررة (حروب، وخلافات، وانشقاقات)، وليس من سبيل أمام النابهين والمتطلعين إلى إعادة دورة الحضارة العربية من جديد سوى قلب ظهر المجن للعبة العملاء الصبيانية الممجوجة حول تهديد الأمن العربي السياسي والعسكري والاقتصادي، وشن الغارة على الهوية الثـقافية العربية المتأصلة بالإسلام، والخروج من مهيع السطحية ولبوس السذاجة التصورية، إلى واسع التركيز العميق في تلافيف التأملات الرزينة والهادئة التي يجب أن تظهر في مؤسسات عربية حضارية وسياسية وعسكرية واقتصادية وإعلامية وثقافية قائمة وحيوية وفاعلة ورائدة، يتولاها رجال نبهاء فضلاء من أمثال الأمير محمد بن سلمان (حفظه الله) بتمثل نهضة تجديدية وحضارة عربية، ووحدة جديدة ترتكز على الثوابت من العقيدة والشرعية والأخلاق والعبادات والقوة العسكرية والاقتصادية، واستقلال القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والإعلامي العربي، ويأتي في طليعة ذلك إعادة صياغة مناهج التعليم بلغتها العربية السامقة، حيث يُعزى أهم أسباب فشل العرب وتخلفهم في بناء حضارة عربية حقيقية، يعود في أهم عوامله إلى تهميش اللغة العبقرية (اللغة العربية) التي لا ند لها في اللغات العالمية، سواء في التصريف اللغوي، أو القدرة الفائقة على الاشتقاق، والخيال الثري، وصناعة العاطفة التي تثري التفكير وتُعمق سبحات الفكر الواسع، والقدرة على إثراء الخيال وخصوبة العقل، مع الروح التي تنبض بالحياة في المفردات والجمل، سواء في الدرس أو البحث أو التعليم أو التأليف، وأحسب أن الحرب على اللغة العربية وهويتها الحضارية، مستمرة ولن تنقطع البتة، ولم تكن وليدة الصدفة أو اليوم أو غدًا، وليس بمستغرب ما قامت به مؤسسة (تكوين) ومن قبلها (البيت الإبراهيمي) في إشعال دورة مستمرة، ودولاب لا ينقطع من مناكفة الثوابت والمسلمات والبديهيات، بافتعال الصدمات العنيفة التي تهز الوجدان، وتشحن الصدور بالمقت والغضب، ورغم تهميش اللغة العربية، وتكبيل العقول العربية بالاتفاقيات، فيما يُسمى بحفظ حقوق الملكية والماركات الصناعية الغربية، فلازال العقل العربي مأزومًا ومكبلًا باتفاقيات الأقوياء، مما اقتضى لزوم غرز تقليد الفكر الغربي بإمعية وبلاهة وغباء، فيما يتغنى المريدون به ليل نهار من الانبهار بالحضارة الغربية، والتي لم يأخذوا من محاسنها شيئًا، وما تميزت به من الجدة والإبداع الفكرية والحضاري والثقافي، بقدر ما اقتبسوا أسوأ ما فيها، كالاختلاط والسفور والعهر والمجون، والفساد الإداري والمالي، والتخلف الاقتصادي، والتشرذم السياسي والهزائم العسكرية، ولضمان تعميق التبعية الاستعمارية تم رفع شعارات التجديد والحرية ومهاجمة العقيدة الإسلامية والطعن في معالم الرسالة الإسلامية، ومصادرها ومضامينها الثابتة وتفتيت العرب بالخلافات السياسية وإشعال الحروب العسكرية المستمرة، والأزمات الاقتصادية، وتأكيدهم الدائم أن نهضة العرب مرهونة بلبوس العلمانية وشعارها ودثارها، ونسمع (جعجعة ولا نرى طحينًا)، بينما أنتجت العلمانية والليبرالية العربية (التخلف الاقتصادي، والهزائم العسكرية، والتشرذم والتناحر السياسي) ونشهد اليوم أسوأ مرحلة تمر بالعرب منذ عهد الاستعمار حتى الآن، حيث سقطت سبع دول عربية ضحايا الفوضى والتشرذم والحروب الأهلية بنسب متفاوتة وهي: (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وتونس، وليبيا، والسودان)، والعجب العجاب الصمت العربي المطبق ومجاملة الغزاة ومن يقف وراءهم، والوقوف السلبي غير المفهوم على هذه الحالة المأساوية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، ومما زاد الطين، أن التشرذم السياسي اقترن بالتشرذم الفكري والحروب الأهلية، والتي خرجت جميعها من رحم أجهزة الاستخبارات المعادية للإسلام والعروبة، ولن يقف الأمر عند حدود تأسيس (تكوين) فلا زال الحبل على الجرار، من أجل خلق دوامة متجددة ومعارك وهمية في الفكر حول الهوية الحضارية، تصحبها حروب دموية على الأرض، لا يستفيق العرب منها إلا باشتعال أخرى وهكذا دواليك، واللغة الخطابية وحدها لا تكفي لبعث شروط النهضة والوحدة، وتحقيق الأمن العربي بمعناه الشامل، إلا بإيقاف الحرب على الهوية والخلوص من الفوضى السياسية والعسكرية الحالية، والتي تنهش وتعبث بسبع دول عربية حتى الآن، وذلك بالخروج من افتعال أزماتها الممجوجة ومعرفة من يقف وراءها، ويأتي في طليعة ذلك إصلاح الواقع العربي المتردي سياسيًا وأمنيًا وثقافيًا وعسكريًا، وتفعيل ذلك باتفاقية عربية ملزمة للجميع.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button