أهداني أخي الكريم الدكتور (زياد الدريس) المندوب السابق للمملكة في اليونيسكو، كتابه الجميل، بعنوان “زيادوف”، من الحجم الصغير بعدد 137 صفحة.
لا أكون مبالغًا عندما أقول: إن الكتاب من أجمل كتب أدب الرحلات، جميل الطرح، شيّق السرد، ظريف كظرف محبرة، الذي شرفت بمعرفته لأول مرة -رغم أنني من قرائه ومتابعيه- في مناسبة أقامها كريم الشمائل معالي أخي الأستاذ (عبد الله الملفي)، نائب وزير الخدمة المدنية السابق في محافظة (تنومه) جنوب غرب المملكة، لمجموعة من أصحاب المعالي والسعادة.
الأستاذ (زياد الدريس) يشعر الواحد كما لو أنه صديقه منذ عقود، لطيف الحديث، دائم الابتسامة، على درجة عالية من الأدب، لدرجة أنني أخطأت مرة في ذكر اسمه فقلت (زهير) بدلًا من (زياد)، فما كان منه إلى أن قال “إذا هذا يعجبك فليكن”.
مقدمة الكتاب حبرها الأستاذ (سمير عطا الله) أقتبس منها الآتي: “لقد كتب الدريس في مواضيع كثيرة، كان هو موضوعها الأجمل والأرحب.
إن الانطباع الذي حملناه جميعًا من الحرب الباردة والأفلام الأمريكية، أن الروس شعب من القساة المقفهرّين، الذين سمّتهم العرب للدقة “المقطبين”، وقد وجد أنهم كذلك حقًا لكن المدينة فتحت أبوابها للغريب يومًا بعد آخر وشكرًا أنها فعلت، فقد تحولت يومياتها البسيطة والجليدية إلى عمل أدبي آخر من أعمال كاتبنا الكبير”. (انتهى الاقتباس).
الكتاب يحكي قصة ارتحاله طلبًا للعلم من (الرياض) عام 2000م إلى (موسكو)، لدراسة الماجستير والدكتوراة، في فترة كانت بوصلة السواد الأعظم من الطلاب السعوديين موجهة نحو الدول الغربية.
وعن علاقته مع روسيا يقول المؤلف: إنها تشكلت من خلال ثلاث مراحل: المراهقة، والعلاج، وأخيرًا مرحلة الدراسة؛ وتم التركيز في الكتاب على الذكريات الشخصية مع الأخذ في الاعتبار الخواطر والآراء التي تشكلت عن العلاقة بين روسيا والعالم العربي.
عن لحظة وصوله لموسكو يقول: انتابتني وحشة ذلك اليوم، ربما وحشة الشيوعية التي كنت أتوهمها، أو الوجوه الروسية التي لم أكن أشعر تجاهها بأي ألفة بشرية! الطريق موحش، لدرجة أن مرافقي حذرني من المشي بمفردي ليلًا لكثرة جرائم السرقات والقتل، على الرغم من أنه لم يكن أحد يجرؤ على فعلها خلال الحكم الشيوعي؛ لأن العقاب هو الإعدام.
في الكتاب الكثير من المواقف والأحداث بعضها الطريف والآخر عنيف، من الطريفة عندما زاره أحد أصدقائه من المملكة وذهب معه إلى أحد الأسواق، حاول صديقه أن يكاسر البائع، كان رد فعل البائع عنيفًا، لدرجة امتناعه عن البيع، لأن ذلك إهانة في عُرفهم، وعند ابتعادهم عن البائع طلب صديقه منه أن يعطيه الكلمة الروسية التي تعني “كلب”؟ فقال لصديقه إنها “سبّاكا”، فقال صديقه للبائع “يا سبّاكا”، وإذا بالبائع يقهقه قائلًا: “كانيجنا” أي كلامك صحيح؛ لأن “يا” بالروسية تعني “أنا”، وبذلك تكون الجملة “أنا الكلب”.
ومنها عندما ذهب لذبح أضحيته، في منطقة مغطاة بالثلوج مخصصة للمسلمين، والذين يُقدر عددهم في موسكو فقط بحوالي مليون، وبعد النحر تركها وهرب من شدة برودة الطقس.
ومن المواقف العنيفة عندما قامت إحدى بناته باللعب على الثلوج بدون حذاء نتج عنه تجمد الدم في القدمين كاد أن يؤدي إلى بترها، لولا تدخل بعض العوائل الروسية.
أو عندما أطلق أحد المشاة كلبه على ابنتيه في الشارع، وظلا يجريان والكلب يتبعهم إلى أن تدخل صاحب الكلب وأمسكه.
وأختم بما خطه عن المصافحة الاستثنائية الشهيرة في قمة العشرين بالأرجنتين بين الرئيس الروسي (بوتين) وولي العهد السعودي الأمير (محمد بن سلمان) -حفظه الله- والتي أظهرت ثقل المملكة ومكانتها الدولية، كما أنها نفت المزاعم التي أطلقها البعض عن الاحتكار الأمريكي للعلاقات السعودية الدولية.
0