المقالات

فن كتاب المذكرات الشخصية

كتابة المذكرات الشخصية من الفنون التي يبدع فيها بعض الأشخاص لتأليف سجلات تحتوي على تفاصيل حياتهم الشخصية، وتجاربهم العملية، وأفكارهم، ومشاعرهم، وملاحظاتهم الشخصية، وتاريخهم الشخصي والمهني، وعادةً ما يكتبها الأشخاص لتاريخهم لأنفسهم واستخدامها لتوثيق الذكريات والتجارب الخاصة بهم. وأحيانًا يستعينون بأشخاص متخصصين لكتابتها لهم، وكتابتها تتطلب مزيجًا من الدقة والبحث والتخيُّل الإبداعي، وذلك حتى يتمكن كاتبها من وصف الأحداث التي مر بها بمشاعرها بطريقة تجعل القارئ يندمج مع الشخصية وتجاربها بزمانها ومكانها التي حدثت فيه.
ومن أبرز هذه المذكرات الشخصية الرسمية للمسؤولين والتي تمتد لتشمل الماضي والحاضر والمستقبل، فيتم الحديث فيها عن التجارب الماضية، وتوثيق أحداثها الحالية وتأثيراتها المستقبلية بتوضيح الأهداف والتطلعات وتحدياتها، لتكون المذكرات لجميع الأزمنة شاملة ومفيدة لفهم الشخصية وتاريخها وتطورها زمنيًا، لتعم فائدتها للأجيال، وهناك الكثير من النماذج المنشورة لمذكرات شخصيات رسمية وغير رسمية؛ فهناك مذكرات الزعماء السياسيين، والوزراء، ورجال الأعمال البارزين، أو الفنانين المشهورين وغيرهم من رجال الإعلام المؤثرين، ويمكن الاستفادة منها عند تحليلها لفهم هيكلها وأسلوبها المستخدم في كتابتها، وتعبر المذكرات أحد المصادر العلمية التاريخية لتفسير الأحداث أو جوانب الحياة، لأنها تقوم بمهام: توثيق الأحداث والتجارب الشخصية بتواريخها، بوصف الظروف والمواقف التي واجهتها وكيفية تعاملها معها، من خلال تحليل أفكارها ومشاعرها في تلك الفترة، وتوضيح علاقاتها الشخصية، وتفاعلاتها مع الشخصيات الأخرى لبيئتها المحيطة، والتعرف على الإنجازات وما واجهته من تحديات لتحقيقها، والخروج منها بنصائح ودروس مستفادة من واقع تجاربها للأجيال القادمة.
ولكتابة المذكرات الشخصية فوائد كثيرة للجانبين الرسمي والشعبي وللأجيال المعاصرة، من ذلك قيامها بتوثيق التاريخ الشخصي والعام، وقيامها بالتوضيح لفهم أعمق للشخصية ومعاناتها الذاتية، وإلهامها للآخرين، وتحفيزها للناس لتحقيق ذواتهم والتمتع بإيجابية الحياة، للقيام بتوثيق تجاربهم الشخصية وتقديم الدروس للأجيال القادمة.
ولكتابة المذكرات عناصر مهمة ينبغي التنبه لها لمن أراد أن يكتب مذكراته وهي: مقدمة: توضح السياق والفترة الزمنية التي عاشتها الشخصية، بمواقفها المختلفة، ووصف للسيرة الذاتية لتوثيق تاريخ صاحبها بما فيها من معلومات شخصية، ونبذة عن النشأة، ثم تسلسل مختلف التجارب في الحياة والإنجازات؛ ثم وصف الأحداث التي مرت والدروس المستفادة منها بنجاحاتها وإخفاقاتها وما أحدثته من تحولات في حياتها؛ مرورًا بتحليل الأفكار والمشاعر لتلك الشخصية بمختلف الظروف ونتائج ذلك عليه؛ والدروس المستفادة ونصائحها المفيدة للقراء؛ ثم خاتمة تلك المذكرات بتلخيص الأفكار الرئيسية والتأكيد على أهمية توثيق التجارب الشخصية للأجيال القادمة، وتختلف المذكرات بين الأشخاص لاختلاف مكانتهم الاجتماعية ووظائفهم الرسمية وثراء حياتهم بالأحداث حسب اختلاف تجاربهم الشخصية، ومكوناتها وأسلوبها في الكتابة.
ولكتابة المذكرات الشخصية تأثيرات كثيرة منها ما يتعلق بأوضاع بلد الكاتب، وشخصيته نفسها، وما تتركه من آثار أخرى كالتأثير السياسي لما تحمله من معلومات حساسة أو فضائح لشخصيات سياسية أخرى، وما قد تؤدي إليه من اضطرابات سياسية داخلية والإضرار بالعلاقات الخارجية؛ وتأثيرها الاقتصادي خاصة المتعلقة برجل أعمال بارز وتأثير ما كتبه على الأسواق المالية بما قد تتضمنه من معلومات عن عمليات مالية غير قانونية أو فضائح مالية أخرى.
وهناك تأثيرات أخرى كالتأثير الاجتماعي بما تتركه من آثار كبيرة على المجتمع منها الإيجابية بتوفير الإلهام والتحفيز للأشخاص، أو السلبية بتعريض الأسرار الخاصة وتأثيرها على سمعة الشخصيات المعنية؛ وكذلك بتأثيرها الثقافي على الثقافة الوطنية بتسليطها الضوء على قضايا مهمة تسهم في الحوار والتغيير الثقافي؛ ولذلك على الكتاب أن يتعامل مع تلك التأثيرات المختلفة بحذر لتجنب الآثار السلبية، وما قد ينتج عنها من آثار لنشرها بعض الخصوصيات، أو تأثيرها على العلاقات الشخصية بالآخرين المذكورين؛ أو تشويه سمعة صاحبها خاصة إذا حملت معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة أو مثيرة للجدل؛ أو دخول صاحبها بمشاكل قانونية لما قد تكشفه من معلومات حساسة قد تضر بالآخرين؛ أو تأثيرها على الحياة المهنية لمن يخلفونه في المناصب الرسمية بما قد يسببه من مشاكل لهم. في المقابل ورغم ذلك يمكن للمذكرات أن تكون فرصة لصاحبها للتعبير عن ذاته، ومشاركة تجاربه الشخصية مع الآخرين إذا تجنب محاذير تلك الكتابة.
والتنبه لأمر خطير وهو أن كتابة بعض المذكرات الشخصية قد تؤدي إلى نشر معلومات حساسية تؤدي إلى الإضرار بالأمن الوطني أو العلاقات الخارجية بالدول، مما يجعل الدول العدوة تقوم بتحليل تلك المعلومات واتخاذ قرارات قد تضر بمصالح بلد الكاتب، فيكون قد ساهم بتشويه سمعة بلده أو تقويض سياساته الداخلية والخارجية، والحرص والحذر مع المعلومات التي ينشرها بمذكراته. لأن نشر بعض المذكرات الشخصية قد تعرض صاحبها للخطر في بعض الحالات: كانتهاك القوانين، أو انتهاك السرية الدبلوماسية للدبلوماسيين. وقد يتعرض كاتب المذكرات لتربص الآخرين من الحاسدين أو ممن يصطادون بالماء العكر، أو ممن لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب، مما قد يتعرض له من انتقادات أو الهجوم المتكرر وإثارة حوله الجدل. لكن ذلك لا يمنعه من توثيقه الشخصي لتجاربه وذكرياته، بتعبير إبداعي يوفر الارتياح النفسي والتفريغ العاطفي؛ لتجارب ذاتية، وتوثيق التاريخ والثقافة، والتأثير على الآخرين. ولما لها من تأثيرات شخصية على صاحبها لخروجه من ذاته إلى الواقع الاجتماعي، وتعزيز الانتماء الوطني والشعور بالهوية الوطنية، بتأثيره على الذاكرة الجماعية للمساهمة بسد الفجوة الثقافية بين الأجيال بتعزيز التواصل والتضامن بين أفراد المجتمع.
وتنشر المذكرات الشخصية على شكل مقالات صحفية ثم تحويلها إلى كتاب يخص أصحابها ويعتمد ذلك على نوعية الجمهور الذي يخاطبه. والأمر المهم في المذكرات أن تنشر المذكرات الشخصية وصاحبها حي يرزق حتى يتفاعل مع ردود أفعال القراء مما يزيد الاهتمام بتلك المذكرات.

عضو هيئة تدريس سابق بقسم الإعلام – جامعة أم القرى
ومقيم في الولايات المتحدة

د. فيصل أحمد الشميري

عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى