المقالات

إكسترا نفاق

النفاق ظاهرة إنسانية لم تكد تسلم منها أمة من الأمم السابقة، وقد جاء ذكر النفاق والحديث عن المنافقين صراحةً في مواضع عديدة، وفي أكثر من سورة من سور القرآن الكريم، بل وأنزل الله سبحانه وتعالى سورة كاملة سماها بالمنافقين؛ وضّح لنا فيها المولى -عز وجل- كلامهم وأوصافهم كما حذرنا سبحانه منهم وأمرنا بأخذ الحيطة والحذر من مكرهم وخداعهم. وفي أيامنا هذه لا تكاد تخلو مؤسسة من المؤسسات الحكومية والخاصة من انتشار هذا المرض العضال الذي تسبب في تفشي أبشع صور الفساد الإداري والمالي، وما ترتب على ذلك من ظلم لكثير من العاملين وهضم حقوقهم بغير وجه حق كما عمل هذا الوباء على شل حركة النمو والتطور والإصلاح الإداري في كثير من المؤسسات.
والنفاق المؤسسي أو الإداري أو الوظيفي (تعددت الأسماء والداء واحد)؛ هو وجود شخص أو (مجموعة أشخاص)؛ يظهر أمام مديره في العمل بمظهر الأمين الناصح والمخلص المحب لمديره وللمؤسسة، ويكون ذلك بالتقرّب من المدير مع تظاهره بالطاعة العمياء وتأييد المدير في كافة قراراته حتى وإن كانت خاطئة بل وكارثية. تعمل تلك الفئة المنافقة على إحاطة المدير بهالة من التملق والإطراء الزائد عن حده؛ لتحقيق أهدافها ومصالحها الشخصية، وفي الغالب أن هذه الهالة الكاذبة تعمي بصر المدير وبصيرته عن إدراك الحقائق وتلهيه عن أهداف ومصالح المؤسسة؛ وبخاصة إذا كانت شخصية المدير من النوعية النرجسية التي تعشق الثناء والمديح والتطبيل له. والعجيب أنه إذا ما فشل المدير أو أقيل من منصبه؛ رأيت تلك الفئة المنافقة تكون أول من يتخلى عن المدير ويهجره.

الغريب أن الكثير ممن يُمارس هذا السلوك المشين يعمل في اتجاهين متناقضين ففي الوقت الذي يمجد ويبجل مديره، ويظهر له تأييده في كل قراراته حتى تلك التي يتضرر منها منسوبو المؤسسة؛ تجده في نفس الوقت يظهر لبقية زملائه في المؤسسة مدى سخطه على المدير وتذمره من قراراته، ويفصح لهم أن سعادته لن تكتمل إلا برحيل هذا المدير. يقول أحد الموظفين أكاد أصعق؛ فعندما اقتربت نهاية فترة تكليف مدير الإدارة التي أعمل بها؛ وبعد أن أدينا صلاة الظهر جماعة في مصلى المؤسسة؛ وإذ بأحد الزملاء بجواري يرفع يديه ويدعو بصوت مرتفع ليسمعني؛ قائلًا: يا ألله!! اللهم عجّل برحيل المدير واجعل هذا اليوم هو آخر عهدنا به، ويستطرد الراوي قائلًا وفي مساء نفس ذلك اليوم جاء خبر تمديد تكليف مديرنا؛ وإذ بزميلي الذي ما زال صدى دعواته في أذني؛ إذ به يتنقل بين منصات التواصل الاجتماعي من منصة إلى أخرى يكبر ويهلل ويعبر عن فرحته وبالغ سعادته بخبر تمديد فترة تكليف المدير، ولم يكتفِ بذلك بل وأخذ يكيل من المديح للمدير واصفًا إياه بالمدير المعجزة والنموذج المتفرد في الإدارة، بل ولم يتوقف الزميل عند ذلك الحد حتى وصل به الأمر أن وضع صورة المدير خلفية في شاشة هاتفه النقال، وكذلك شاشة جهاز الحاسب في مكتبه. (ومن النفاق ما قتل)!!.
وأخيرًا يجب أن نُفرق بين النفاق والمجاملة في بيئة العمل، فحتى وإن وجد بينهما عناصر مشتركة كالبشاشة والابتسامة واللين في القول والتودد في التعامل؛ لكن سلوك المجاملة يركز على الاهتمام بمشاعر الآخرين وعدم جرح أحاسيسهم، وفي ذات الوقت لا يُساعد على ظلم أحد من الناس ولا يسهم في نشر فساد مالي أو إداري، ولا يهدف صاحب المجاملة إلى تحقيق مآرب شخصية على حساب الآخرين.

خير الهدي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان).
——————————
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

د. عبدالله علي النهدي

عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى