المقالات

وزارة التعليم والأعمال غير التعليمية

من أجمل وأفضل القرارات التي اتخذتها وزارة التعليم هذه الأيام نقلها للمهام (غير التعليمية) من إدارات التعليم إلى جهات متخصصة لتنفيذ هذه المهام، والعمل على تفريغ إدارات التعليم بكامل طاقاتها وقواها البشرية لمهامهم التعليمية والتربوية البحتة.
إن المُلاحظ لعمل الإدارات التعليمية خلال الفترة الزمنية الماضية؛ وخاصة عمل مديري التعليم الذين هم القادة التنفيذيون للعمل التعليمي والتربوي، أن الجزء الأعظم من أوقاتهم، والجهد الأكبر من طاقاتهم يبذل في تنفيذ أعمال ليست من اختصاصاتهم الفعلية ولا مهامهم الأساسية؛ فالإشراف على إنشاء المباني المدرسية وتأهيلها وترميمها وصيانتها ونظافتها وتكييفها وتوفر متطلبات السلامة بها، ونقل الطلاب وما يعتريه من مشكلات كثيرة ومتطلبات عديدة، والصحة المدرسية، والحراسات الأمنية وغيرها من المهام والمسؤوليات التي أرهقت كاهل مديري التعليم، وأعاقتهم عن مهامهم التعليمية، وسببت لهم إحراجًا كبيرًا أمام المجتمع ووسائل الإعلام، وكانت سببًا رئيسًا في إعفاءات وعقوبات واعتذارات واستقالات كثير منهم من مواقعهم، ناهيك أنها سبب رئيسي في ضعف وانخفاض مؤشرات الأداء التعليمي ونتائج الطلاب في الاختبارات الدولية والوطنية والتقدم في المنافسات والمسابقات الدولية والإقليمية، هذه المهام والمسؤوليات غير التعليمية المرهقة لكاهل المسؤولين التنفيذيين في التعليم والمحرجة لهم والمبعثرة لجهودهم والمشتتة لتركيزهم أصبحت اليوم خارج نطاق مهام ومسؤوليات إدارات التعليم.
إن هذا القرار الإستراتيجي الذي تُشكر عليه الوزارة؛ لن يجعل لإدارات التعليم عُذرًا في أن تركز على المستويات التحصيلية ونتائج الاختبارات الدولية والوطنية وتكثيف الجهود التربوية في تكريس القيم والمبادئ الأخلاقية والانتماء الوطني في نفوس أبنائنا وبناتنا، وهذا بلا شك سيؤدي إلى جودة الأداء وتحسن المخرجات، كما أنه سيجعل إدارات التعليم في المملكة تتناغم في مهامها ومسؤولياتها مع مديريات التعليم في الدول المتقدمة، إذ لا دخل لمنسوبي التعليم في كل دول العالم بتنفيذ أي مهام تشغيلية غير تعليمية.
إلا أن ما يجب الإشارة إليه وهو من الأهمية بمكان، أن عملية انتقال هذه المهام ينبغي أن تُحاط بسياج منيع من الرعاية والعناية والمتابعة وخاصة في البدايات الأولى، حتى لا تتأثر تلك المهام أو تتعثر أثناء فترة الانتقال؛ حيث إن تلك المهام وإن كانت غير تعليمية إلا أنها ذات أثر مباشر على المهام التعليمية والتربوية، فلا يمكن أن نحقق مؤشرات تعليمية عالية في مدرسة لم تكتمل بها المتطلبات الأساسية من نظافة وتكييف وصيانة ووسائل سلامة.. إلخ، كما أنه من الضروري جدًّا وخاصة في المراحل الأولى من تنفيذ هذا القرار الأخذ في الاعتبار تقييم المستفيدين الحقيقيين من هذه الخدمات؛ أقصد الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور ومكاتب التعليم عبر أدوات وقنوات دقيقة ومستقلة للتأكد من مستوى جودة هذه الخدمات، والأخذ بما يرد من ملاحظات ومرئيات من إدارات التعليم.
ثم إننا بعد هذا القرار ننتظر من إدارات التعليم أن تركز كل إمكاناتها وممكناتها على الاهتمام بالطلاب ومستوياتهم العلمية والمهارية والقيمية، كما ننتظر من الوزارة أن تجند المختصين والخبراء لديها للعمل جنبًا إلى جنب مع إدارات التعليم والمكاتب في فرق عمل متكاملة ومنسجمة ومتجانسة، وأن تستثمر الكفاءات العلمية المتميزة في الجامعات التابعة لها في توجيه بحوثهم ودراساتهم الميدانية والتطبيقية للميدان التعليمي، وترجمة التوصيات العلمية للبحوث والدراسات إلى واقع عملي ممارس؛ لا أن تكون حبيسة أدراج المكاتب وأرفف المكتبات، وإعادة البرامج التربوية المؤهلة والمطورة للأداء التعليمي مثل: الدبلومات التربوية ودورات الإشراف التربوي والإدارة المدرسية والقياس والتقويم، وغيرها من البرامج التربوية المغذية والمطورة للأداء التعليمي والتربوي.
إن الوطن بجميع أفراده ومؤسساته يشرئب بعد هذا القرار إلى عمل تعليمي وتربوي أكثر تركيزًا وتكاملًا بين الوزارة والميدان التعليمي يُمارس فيه المختصون اختصاصاتهم الفعلية دون تشتت، وتشجع الوزارة الممارسات الإبداعية الخلّاقة، وتُحفز المبدعين والمتميزين وفق أدوات وآليات واضحة، وأن تتبنى الوزارة بناء شراكات فاعلة مع القطاعات الأخرى، وتستقطب القطاع الخاص بإشراف مكثف منها؛ بما يحقق مخرجات وخدمات نوعية، لا أن تتخلص الوزارة من مهامها التخصصية (التعليمية والتربوية) أيضًا، وتسلم الجمل بما حمل؛ لتصبح وزارة التعليمات والتشريعات وسن الأنظمة بدلًا من وزارة التعليم !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى