المقالات

كيف تصبح قائدًا إستراتيجيًّا؟

ربما يكون هذا أكثر الأسئلة جدليةً في الأوساط الأكاديمية؛ وخاصة تلك التي تُعنى بالقيادة وصفات القائد، وهل هي موهبة أو هبة ربانية أو مكتسبة من خلال الخبرة والتعلم، أو مزيج بين الاثنين؟
وعلى الرغم من أن أكثر الدراسات باتت تميل إلى أنها مزيج ما بين كونها هبة ومكتسبة بنفس الوقت، إلا أن نسبة كل خيار هي سبب الخلاف الرئيسي بين المفكرين، وأي منها يطغى على الآخر.
وقبل الحديث عن أهم صفات القائد الإستراتيجي، لعلي أتذكر موقفًا شدني كثيرًا في الحقيقة، وهو ما ألهمني كتابة هذا المقال.
في يوم الجمعة الموافق 31 من مايو، شرّف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-
مباراة كرة القدم النهائية لكأس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان-حفظه الله- ورعاه، وعلى الرغم من انشغال ولي العهد إلا أنه اقتطع أكثر من أربع ساعات من يومه المزدحم بكافة الأعمال على كافة المستويات سواءً كانت دولية أو محلية، وحضر المباراة قبل بدايتها وانتظر حتى صافرة النهاية. وبعد عزف السلام الملكي، أخذ سموه ينظر في جموع الحاضرين؛ وكأنه يلقي السلام عليهم واحدًا تلو الآخر، بل وأشار بيده لشاب صغير، كان يجلس في المقاعد الأمامية، وأمر من معه بتلبية رغبة هذا الشاب والتقاط صورة مع سموه.
إن موقف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفزني على إعادة البحث كثيرًا في صفات القائد، وكيف لقادة المنظمات والشركات أن يستلهموا من سموه بعض هذه الصفات للانطلاق بأعمالهم نحو إستراتيجية ناجحة. فموقف سموه قد ذكرني بدراسة سابقة نشرتها شركة strategy& عن المبادئ الأساسية في صفات القائد الإستراتيجي. لقد تمت دراسة تلك الصفات والمبادئ بعناية على أكثر القادة نجاحًا في القرن العشرين.
فقدرة سمو ولي العهد على توفير الوقت لحضور هذه المناسبة الرياضية رغم كل مشاغله وأعماله تدل على امتلاكه أول صفات القائد الإستراتيجي، وهي توزيع المهام والمسؤوليات.
وهذه الصفة تتطلب من القائد دفع المسؤوليات إلى كافة المستويات، وتمكين الأفراد على جميع المستويات من اتخاذ القرارات. ويمنح توزيع المسؤولية القادة الإستراتيجيين المحتملين الفرصة لمعرفة ما يحدث عندما يعملون ويساهمون في الخطط والأهداف الموضوعة وفق عملية تقييم شاملة. كما أنه يزيد من الذكاء الجماعي والقدرة على التكيف والمرونة بمرور الوقت.
وهذا ما حفز على ظهور قادة شباب في الدولة قادرين على تحمل المسئولية واتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح، والعمل وفق رؤية سموه -حفظه الله-.
أما الصفة الثانية فهي تكمن في منح القادة الإستراتيجيين المحتملين الفرصة للالتقاء والعمل مع أقرانهم. حتى لا يفقدوا الشغف، وبالتالي يشعرون بالعُزلة أو الوحدة بدلًا من أن يكونوا أكثر انفتاحًا ومهارة في رفع القيمة الإستراتيجية لما يفعلونه.
وهذا ما يدعمه سمو ولي العهد -حفظه الله- في التركيز على الإبداع والابتكار والعمل وعدم الخوف من الفشل. وأن الفشل لا يعني نهاية المطاف، أو القصة، وإنما هو درس تتعلمه وخبرة تكتسبها ومعرفة تضيفها لما تعلمته سابقًا.
وآخر تلك الصفات الرئيسية في القائد الإستراتيجي، هي التواضع، فيعتبر التواضع عاملًا مهمًا في بناء الثقة والعلاقات الجيدة مع الآخرين. فعندما يكون القائد متواضعًا، يكون قادرًا على الاستماع للآخرين، ومشاركتهم في صنع القرارات. وكلما زاد تواضع القائد زادت محبته، وهذا ما تجلى بوضوح في موقف سموه مع الشاب الصغير الذي طلب التقاط صورة معه.
وهنا أعود للسؤال المهم، هل صفات القيادة مكتسبة أو موهوبة؟ وباعتقادي أن كلا الأمرين مهمان وبشكل كبير. فالموهبة هي ميزة ربانية يختص بها من يشاء من عباده، وهي ملازمة للتوفيق في اتخاذ القرارات، وهي الحدس واستشراف مستقبل الأحداث، واقتناص الفرص وتجنب المخاطر. أما القيادة المكتسبة تعني الخبرات والعلوم والنظريات المتراكمة في التعامل مع الأحداث والفرص والتهديدات. وكلاهما مهم وبصورة كبيرة جدًّا، ولا أعتقد بأنني يمكن أن أرجح كفة إحداهما على الآخر.
وشكرًا.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. مقال رائع وواقعي تحفيزي بارك الله فيك سمو الأمير

  2. كل الشكر لسمو الأمير ماجد على هذا المقال الرائع ومن المهم جداً القراءة المتأنية للمقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى