أجزم أن الذين يُطالبون بالسماح بالمظاهرات والشعارات في الحج، يُعانون من اختلالات عقلية وعطب عقائدي، وإلا كيف لمسلم لديه ولو ذرة إيمان واحدة، أن يسمح لنفسه أن ينتهك جلال الركن الخامس من الإسلام، ولا يكترث بتعظم الكعبة المشرفة بالسكينة، ولا يمنح الوقار للبلد الحرام، بينما القرآن الشريف الذي بين أيدينا يحذرنا، بقول الحق تبارك وتعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (سورة الحج الآية 25) .. هذا لمن يريد فقط، أي مجرد تفكير، فكيف بمن يفعل؟
قاتل الله الجهل ومحق الله الحقد، فكيف إذا اجتمعا، صار صاحبهما – فردًا أو جماعة – ممن سخط الله عليه وجعله أضحوكة الدنيا، والعجيب أن الواحد من أولئك نراه يرتدي إزارًا ويتوشح رداءً، يتمظر بملابس الإحرام، لكنها فوق جسد من الإجرام.
التمثيلية البائخة/السخيفة التي يريد أولئك “الأفاقون المشوهون” تنفيذها في البلد الحرام – في كل عام – دونها بطبيعة الحال خرط القـتاد، هم أعلنوا رغبتهم الكريهة تلك ليزيدهم الله سخطًا وارتكاسة وليرتفع رصيدهم من كراهة المؤمنين لهم – من مشرق الأرض إلى مغربها.
يا أيها الجهلة المغرر بهم، يا أيها الأدوات … الله تعالى هو الذي أمر خلقه بتعظيم البلد الحرام من الغوغائية والغوغاء أمثالكم، من دعاة الفتنة والمتاع الرخيص، كـ “تسـييس الحج”، خدمة لأجندات مجرمة، هذا من ناحية …
ومن الناحية الأخرى، فإن هدفكم مكشوف لكل أحد، أنتم تسعون للإخلال بأمن وانسيابية مراحل سير “الموسم” كيما يتعطل أو يتشوه سير “النسك”، فجورًا ووقاحة من عند أنفسكم، وحسدًا لهذا الشرف الرباني العظيم، الذي اختار له الله سبحانه السعودية والسعوديين.
نفوسهم الكريهة وقلوبهم السوداء تغلي، لماذا السعوديون ناجحون دائمًا في قيادة الحج بدرجة امتياز، مع مرتبة الشرف الأولى؟ وبدلًا من أن تصطفوا مع شرفاء العالم لشكر الله، ثم شكر بلادنا المباركة، على جهدها المضنية، أبيتم إلا أن تظلوا في ركنكم المعتم كالجرذان، تقتاتون قذارتكم الفائحة، وتتقيئون سافل الفعل والقول، وغريب المطالب الهابطة.
لكن الله أركسكم، وفضح سوءكم، ولعله تعالى قد اطلع على نياتكم القبيحة – ونياتنا الصافية، فمنحنا سبحانه العون والسداد… إن أولئك الموتورين السذج يتذرعون بحق أريد به باطلًا: (أن الحج أكبر مؤتمر للمسلمين من أنحاء العالم، ومن ثم فإنه من الطبيعي أن يطرح المسلمون فيه قضاياهم..)
والواقع أن طرح قضايا المسلمين ومناقشتها هو أمر قائم بالفعل داخل المناسبة، لكنه ليس لعامة الحجاج، بل لحكماء الأمة ومفكريها من كل بلد… ولمن لا يعرف، أو أنه يعرف ويتعامى نقول: إن السعودية تعتمد كل سنة – وخلال موسم الحج – مشروعًا إسلاميًا كبيرًا .. هو:
(ندوة الحج الكبرى)، التي تناقش ليومين – تسبق يوم عرفة – قضايا الحج والأمة، على مرمى حجر من الكعبة المشرفة، بمشاركة فاعلة من نخبة من مفكري دول الأمة الإسلامية .. (ملاحظة: الندوة عمرها الآن 48 عامًا من العطاء المتواصل، ناقشت الكثير من قضايا الأمة الإسلامية بما يزيد عن 200 بحث علمي خلال مسيرتها).
وتخيل معي لو أن المظاهرات والشعارات مسموح بها في الحج؛ بحيث تتحول ساحات المسجد الحرام، وجنبات عرفات، وشوارع منى إلى مظاهرات وشعارات سياسية، فكم من الغوغائية ستظهر، وكم من النياح والضباح سيصم الأذان، وكم من الفوضى ستثور، وتتدخل، وتتعارك الأيدي ويتساب الناس، بل وتسفك الدماء، انتصارًا لأيديولوجيا معينة، وحزبية محددة، وبذلك ينصرف الحجاج عن الدعاء والتلبية والتضرع، إلى هذه التوافه، بحيث يتم اختزال النسك العظيم بكامله، في مجرد هذه الترهات المقيتة، والأفكار المريضة، المحرضة على الفتنة والفرقة ومتاع الدنيا الرخيص.
ولكن نحمد الله أن وهب قادة السعودية عقولًا كبيرة، فقطعوا الطريق مبكرًا أمام دعاة الفوضى والمهووسين بالشغب، فصار الموسم واحة طمأنينة ومكان سكينة، ما مكن الحجاج من التفرغ الخالص لعباداتهم، وما جعل همهم الوحيد الانطراح بين يدي الله، تذللًا ورهبة وخشوعًا، في مناخ صحي خالٍ من الفوضى، وبالتالي ما جعلهم يثنون أجل الثناء وأعظمه، على تفاني وخدمات السعوديين للحجاج، وهو يوفرون لهم هذا الطقس الإيماني الشفيف.
..
ختامًا .. وللتذكير فقط ..
فـ “إحنا خُدّام الحرم” .. أمس واليوم وغدًا