المقالات

يوم التروية.. بين عين زبيدة وبوارج التحلية

منذ ان نادى إبراهيم – عليه السلام- بالحج قبل نحو 4000 عام وهاجس توفير المياه للحجاج يتزايد عام بعد عام، ومع
تزايد أعداد المسلمين في العهد النبوي زادت الحاجة لتوفير الماء لضيوف الرحمن؛ حيث يقضون معظم يوم 8 الحج في توفير وجلب الماء للمشاعر المقدسة حتى سموه (يوم التروية) حتى أنقذت الموقف البطلة/ زبيدة بنت أبي الفضل جعفر بن أبي جعفر المنصور العـباسي، زوجة الخليفة العباسي هارون الرشـيد -رحمها الله-
عام 164 هـ؛ حيث أمرت بإنشاء قناة مائية لسقيا الحجاج وأهل مكة بطول 26 كم، سُميت بعد ذلك (عين زبيدة)، وهي مختلفة عن (درب زبيدة) حيث تم جلب الماء من عين تقع في أسفل جبل كرا بأعلى وادي نعمان حتى تصل مياهها إلى أسفل العزيزية مما يلي مكة، وجعلت لهذه العين بركًا وأحواضًا في المشاعر المقدسة، واستمرت هذه العين في توفير الماء للحجاج، وعلى الرغم من صمود المشروع لأكثر من عشرة قرون، إلا أن الإهمال اعتراه في بعض مراحل التاريخ الإسلامي، مما انعكس بدوره على جودة المشروع، فتهدمت بعض قنواته؛ مما تسبب في نقص حاد للمياه واستمر الحال على ذلك، حتى جاء عهد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- الذي أمر بإنشاء إدارة خاصة باسم (عين زبيدة)،
وتم ترميم القنوات وغيرها من الأعمال، لكنها لم تصمد كثيرًا أمام تزايد أعداد الحجاج التي كسرت حاجز المليونين حاج (من الداخل والخارج)؛ حيث ظهرت الحاجة الماسة لتوفير كميات كبيرة من المياه لإكمال منظومة خدمات ضيوف الرحمن، لتنطلق (المؤسسة العامة لتحلية المياه عام ١٣٤٨ هـ) لتوفير الكميات المطلوبة من المياه،
وفي هذا العام أدهشني وأسعدني خبر تعزيز المؤسسة العامة لتحلية المياه إمداداتها من منظومات الشعيبة وينبع، بإنتاج المياه من محطات تحليتها العائمة العملاقة، وهي عبارة عن 3 وحدات إنتاج متنقلة لتحلية المياه المالحة مجهزة بأحدث التقنيات بكفاءة وجودة عالية، لمواجهة أي زيادة متوقعة أو طلب على المياه المحلاة، والحفاظ على وفرة المياه المنتجة بمستويات عالية، وفق أفضل المعايير وأحدث الأنظمة، بطاقة إنتاجية للمحطات الثلاث إذا اجتمعت ما يبلغ 150 ألف متر مكعب يوميًّا بواقع 50 ألف متر مكعب يوميًّا لكل بارجة.
ويبلغ حجم مساحة البناء في البارجة للمحطة الواحدة 20 ألف متر مربع، لتكون أكبر وأضخم البوارج العائمة لتحلية المياه بالعالم، وروعي في تصميم هذه المحطات العائمة أن تكون صديقة للبيئة تعمل بتقنية التناضح العكسي الاقتصادية ذات الكفاءة العالية، والرائع في هذه المحطات العملاقة العائمة (البارجة) أنها تتمتع بمرونة تسمح بتنقلها عبر عدد من المواقع، وهي تمثل أحدث التقنيات في مجال تحلية المياه، والتي تسهم في زيادة الإمداد بالمياه النظيفة وتحسين جودتها.
وتعد هذه المحطات أسلوبًا جديدًا ونهجًا رائدًا في سياق حلول “التحلية” المبتكرة التي قادته المؤسسة للإسهام في مقابلة الطلب الموسمي عبر إمكانية تنقل هذه البارجات، بما يسهم في مقابلة خطط العرض والطلب واحتياج إمداد المياه في موسم الحج باقتصاديات عالية تراعي تعدد المواسم والحالات الطارئة،،

ليعلم الجميع أن راحة وسلامة ضيوف الرحمن وعمارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة هو هاجس قادة هذه البلاد منذ دخول الملك عبد العزيز لمكة قبل أكثر من مائة عام، بل وسبق ذلك منذ الدولة السعودية الأولى قبل نحو ثلاثة قرون، وحتى الآن، وأن هذه البلاد قادرة بفضل الله تعالى وبالجهود والاتفاق السخي لتوفير أرقى منظومة خدمات لضيوف الرحمن التي أصبحت تبدأ من بلدان الحجاج من خلال مبادرة (طريق مكة) ومرور بقطار الحرمين، وصالات الحجاج وتوسعات الحرمين وقطار المشاعر وخيام وأبراج منى حتى عودتهم سالمين لبلدانهم محملين بمصحف (هدية خادم الحرمين الشريفين) وبأجمل الذكريات..

——
* باحث في تاريخ وتعظيم الحرم

عبدالله سعيد الزهراني

باحث في تاريخ وآداب المسجد الحرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى