المقالات

بلد (الله) وحرمه… (أم القرى)!!

لَقَد اختَارَ اللهُ نَبِيِهِ محمدًا -صلى الله عَليِهِ وَسَلم- لِيَكُون خَاتَم الأنبِياءَ، واختَارَ مَكَة لِتَكونَ البَلَد الَذي يَخرجُ مِنه هَذَا الشُعَاع لِيُضيء الدنيا، فَكَانَ مَولِدِهِ -صلى الله عليه وسلم-في مَكَة، وَبِعثَتُهُ مِنها، فَهِي بَلَدُ الله وَحَرَمُه، وهي (أم القُرى).
والمتأمِّلَ في المواطنِ التي ذكرَ فيها القرآنُ الكريمُ (أمَّ القرى) تصريحًا أو تلميحًا يجدُ عَجَبًا! فمعظمُ هذه المواطنِ اقترنَ فيها ذِكْرُ (أمِّ القرى) بالقرآنِ الكريم!
ففي سورةِ الأنعامِ يقولُ الله سبحانه: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) – (سورة الأنعام: الآية 92)
وفي سورةِ الشورى يقولُ جلَّ من قائلٍ: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) – (سورة الشورى: الآية 7)
وفي سورةِ النملِ يقولُ تعالى مُخبرًا رسولَهُ وآمرًا له أنْ يقولَ: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) – (سورة النمل الآيتان 91-92)
وهذهِ البلدةُ هي (مكةُ المكرمةُ) التي صارتْ حرامًا بحرمةِ الله إلى قيامِ الساعةِ.
ولا عَجَبَ في هذا الاقترانِ، فهذه الأرضُ الطيبةُ هي التي شهدتْ مبدأَ تنزُّلِ الوحيِ، حينَ غطَّ جبريلُ -عليهِ السلامُ- نبيَّنا -صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في غارِ حراءٍ، وبَلَّغَهُ أَوَّلَ الوَحْيِ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) – (سورة العلق الآية 1)
وهذه الأرضُ الطيبةُ هي التي شهدتْ كذلك مُخْتَتَمَ الوحيِ المكمِّلِ لأصولِ الدين وكُلِّيَّاتِهِ، فعلى أرضِ عَرَفَةَ تنزَّل قولُهُ تعالى: (اليومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكم وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتي ورضيتُ لَكُمُ الإسلامَ دينًا)؛ وهو من أواخرِ ما نزلَ. (سورة المائدة الآية 3).
وما بينَ البدءِ والختامِ شَهِدَتْ مكةُ نُزولَ مُعظمِ سورِ القرآنِ وآياتِهِ، ذلك أنَّ اثنتينِ وثمانينَ سورةً مِن أصلِ مئةٍ وأَرْبَعَ عشرةَ سورةً هي مكيةٌ باتفاقٍ، كما أنَّ قُرابَةَ ثُلثيْ آياتِ القرآنِ هي من المكيِّ.
فما تقولونَ في أرضٍ شَهِدَتْ أوائلَ الوَحْيِ وأواخرَهُ؟ ثم كانتْ بينَ ذلكَ مُتَنَزَّلَ أكثرِهِ؟
ثمَّ ما تقولونَ في بلدٍ تربَّى فيها أوائلُ الصحابةِ الكرامِ -رضي اللهُ عنهم- على القرآنِ وهو يتنزَّلُ بين أيديهمْ، يُثبّتهم في محنتِهِم، ويجيبُ عن أسئلتِهم، ويَفْصِلُ في مشكلاتِهِم، ويُرشِدُهُم لأقومِ الأقوالِ والأفعالِ، ويُذكِّرُهُم اللهَ والدارَ الآخرةَ؟
اللهم زد بيتك الحرام (أم القرى) تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا، وبرًا ومهابةً، وزد من شَرَفَهُ وعَظَمهُ ممن حَجَهُ، واعتمرهُ تعظيمًا وتشريفًا وبرًا.
اللهم أجزي خادم الحرمين الشريفين (الملك سلمان) وولي عهده الأمين الأمير (محمد بن سلمان) -حفظهما الله- خير الجزاء، على ما يقومان به من رعاية كبيرة، وعناية كريمة، وخدمات جليلة، لبيتك الحرام (أم القرى).

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى