مشاهد الحجاج، وما نراه على الشاشات التلفزيونية والإلكترونية، تستمد منها طاقات إيجابيةً وإيمانية وروحانية بشرط أن تتأملها وتتعمق في تفاصيلها بدون أن تكون منشغلًا في أحاديث جانبية أو أمور حياتية، تحتاج هذه المشاهد إلى هدوء وتركيز وأنت تتدبر الرسائل الواردة إليك رسالة تلو رسالة تفصلك عن واقعك ومحيطك إلى عالم الطمأنينة والسلام الداخلي والهدوء النفسي، رسائل تنقلك إلى سيناريوهات لحقائق قادمة ووقائع نافذة وأمور إما أن تكون صادمة مفزعة مرعبة وسوء العاقبة أو أمورًا مبشرة مفرحة ومسك ختام، تلك السيناريوهات تذكرك بموقف الحشر والمحشر وبموقف الحساب، وبموقف أخذ الكتاب باليمين أو الشمال، ومواقف وصور عدة موثقة بسجلات عمرك الدنيوي لتعرض في ساحات الحساب.
لا تتفرج على الحج كأنه خبر يمر مرور الكرام ومشهد عادي تقلبه كغيره من المشاهد، ولا يأتي في بالك ما هو الجديد مناظر تعودنا عليها من سنوات حتى ألفناها وحفظناها ولا جديد، فهذه حيلة ووسوسة شيطانيّة حتى تصرف عنك خير قادم إذا تدبرت وتفكرت وتأملك المشاهد المهيبة التي خشعت لها القلوب وتقشعر منها الأبدان من عظمتها، وتدمع لها العيون شوقًا لها وطمعًا في غفران الله، وتذهل منها العقول كيف ستكون أضعاف هذه الأعداد في يوم الآخرة.
مشاهد الحجيج وهم قد تجردوا من زينة الدنيا، وتركوا وراءهم أجمل الثياب وأغلاها وارْتٓدُوا أبسط الثياب حتى يلبسهم ربي لباس التقوى،
أعداد غفيرة قدموا من أنحاء شتى لأداء فريضتهم حتى تصدر لهم شهادات ميلاد جديدة فيها محو الماضي بكل مساوئه من عقولهم وقلوبهم ونفوسهم وجوارحهم، وينالوا شهادة ميلاد جديدة لإنسان جديد يعرف طريق الخير جيدًا فيتبعه، لا يريدون للحج أن يكون في حياتهم اسمًا وفي رصيدهم عددا بل يريدونه حجًا آثاره بدت في مكة، واستمرت عمرًا دنيويًا، وطالت وصحبته في عالم آخروي.