المقالات

دعاني لبيته لحد باب بيته

همس الحقيقة 

وفي هذه الأيام المُباركة في شهر فضيل “شهر ذو الحجة” الذي يؤدي المسلمون فيه الركن الخامس من أركان الإسلام لمن استطاع إليه سبيلًا؛ وذلك لمشقة السفر وتكاليفه المادية نُشاهد اليوم، والعالم معنا يرى ما كان بعيدًا عن العين والقلوب مشتاقة له، بات ظاهرًا متوفرًا للنظر إليه والتأمل في مشهد عظيم كل عام يتكرر يزيد المسلم المشتاق اشتياقًا له، ولسان حاله يذكرني بأول علاقة حب وعشق جمعتني بصوت أم كلثوم “رحمة الله عليها”.
-لم يكن في أيام طفولتي والمراهقة صوتها يُطربني، وأنا أرى أحد أخواني مُغرمًا بأدائها، وكل من حولي من شباب وشياب فرحوا جدًّا لقيام التلفزيون السعودي بعرض بعض أغانيها وهم يشاهدونها على خشبة المسرح، ويستمعون لها وهي تشدو بأغنية “أروح لمين” وأحيانًا أخرى أغنية “فكروني” حتى جاء ذلك اليوم وموعد بدون موعد في اليوم الرابع من شهر ذي الحجة عام 1393هـ، أجد أذني مشدودة جدًا لسماع لمن يطلق عليها لقب كوكب الشرق تغني “القلب يعشق كل جميل” الله الله على كلمات كتبها الأنيق فكرًا وأدبًا الشاعر التونسي”بيرم التونسي”، وإذا بمشاعري تحلق بي مع صوتها العذب الجميل، وهي تمتعنا بمفردة “القلب يعشق كل جميل”، والتي كانت عنوانًا جذابًا ذكيًا لهذه الأغنية الجميلة الفخمة.
-من هنا كانت بداية علاقة الحب مع صوت أم كلثوم ولا أدري لماذا تأخرت كل هذه المدة الطويلة من العمر؟ ولماذا جاءت وحضرت مع هذه الأغنية تحديدًا، وبدأت أسأل نفسي هل السبب له ارتباط ديني حرك مشاعري، وأثر بالتالي على سمعي مما دعاني إلى شراء كل الأشرطة والاستماع إلى معظمها، وربما كل أغانيها، ومع ذلك من ذلك اليوم وإلى يومنا هذا لا أرى إبداعًا لأم كلثوم صوتًا وكلمات ولحنًا وأداءً مثلما تجلَّت إبداعًا في “القلب يعشق كل جميل”.
-روحانية تخترق مشاعري مع كل لحظة أستمع لهذه الأغنية ليس بالضروري في أيام شهر الحج إنما في غيره أيضًا كلماتها ولحنها وصوت يفرحني ويبكيني مرافقًا متلاحمًا مع خيالٍ يذهب بي إلى بيت الله الحرام وإلى عرفة ومنى؛ وكأني حاج عائش في ملكوت شاعر تواجد بوجدانه وروحه في بُقعة من بقاع هذه المشاعر.
عيشوا معي تلك اللحظات، وأنتم تقرأون الآن جزءًا من أبيات ما سطره الشاعر بيرم التونسي، ومن بعدها تأملوا كيف سيكون عالمكم، وأنتم مع عالم روحاني يسحبكم مع حنجرة أم كلثوم في أغنية “القلب يعشق كل جميل”، وهي تشدو بهذه الأبيات :
واللي هويته اليوم دايم وصاله دوم
لا يعاتب اللي يتوب، ولا في طبعه اللوم
واحد ما فيش غيره، ملا الوجود نوره
دعاني لبيته لحد باب بيته
واما تجلى لي، واما تجلى لي
وأما تجلى بالدمع ناجيته

عدنان جستنية

كاتب وناقد صحافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى