أستهل مقالة اليوم بما ذكرته في مقال سابق، وبما كانت عليه مواسم الحج وبما يؤكد اليوم النقلة النوعية بعد توحيد المملكة العربية السعودية؛ حيث كُنا في بدايات المرحلة الابتدائية في بيشة نُلاحظ في الصباح الباكر في الطريق إلى المدرسة بعضًا من الحجاج قبل موسم الحج بأربعة أشهر، وقد وصلوا على أقدامهم من الهند وباكستان قاصدين الحج مرورًا بعمان ثم قطع الفيافي، ويقصون على الآباء أنهم منذ أشهر وأنهم قد فقدوا عددًا من رفاقهم إما لمرض أو جوع أو توهان أو حيوانات مفترسة وسيواصلون الأربعة الأشهر ليلحقوا بموسم الحج في ذات العام. لذا وجدتني أحاول منذ سنوات أن أختم موسم كل حج بمقالة ثناء مستحق وإشادة واجبة يفرضها واقع ووقع النجاحات التي تحقـقها المملكة بفضل الله في موسم كل حج، وبيّض الله وجهك، جملة ليس من السهل نطقها ولا من اليسير استحضارها ما لم يكن هنالك عمل جليل ومنجز عظيم، واليوم وكأنني بكل حاج تواجد في المشاعر لأداء نسك حج 1445هـ، كأني به في هذه الأيام الفاضلة يرفع يديه إلى السماء يشكر الله على نعمائه وتيسيره الوصول إلى ساحات الحرمين، والبدء في أداء هذا النسك في يسر وسهولة والانتهاء بما هو أكثر فوزًا ونجاحًا، داعيًّا من أعماق قلبه بأن يحفظ الله لهذا الكيان وهذه الأمة خادم الحرمين الشريفين قائلًا: بشعور الشاكر الحامد لله بهذا الفوز العظيم وهذا اليسر العميم (بيَّض الله وجه خادم الحرمين.. بيض الله وجه “أبو فهد”) على هذه الرعاية والعناية والاهتمام، فالملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- هو سند لهذه الأمة التي تعيش أهم مراحل مسيرتها.. والقيادة السعودية والشعب السعودي الأبي دومًا في خدمة ضيوف الرحمن من لحظة تفكيرهم في الحج ثم قدومهم حتى مغادرتهم.. تعوَّد رجال هذا الوطن على هذا ولن تغيرهم المواقف ولا الأحداث، جسد واحد ويد واحدة في سبيل توفير الأجواء الإيمانية والروحانية لكي يتفرغ الحاج للتعبد وكسب المزيد من الثواب.. ولن أتحدث هنا عن ما وفرته الدولة أو ما توفره فهذا له مقام طويل، وقد أعجز عن سرده وما هذا قصدت ولكنني لا بد في هذه العجالة من أن أشير إلى أن عدد الحجاج قفز منذ تأمين مسالك الحجاج إلى مكة المكرمة من عام 1345 هجرية؛ حيث بلغ عدد الحجاج آنذاك 90662 حاجًا إلى أكثر من مليون وسبعمائة ألف حاج عدا حجاج الداخل ما بين مواطن ومقيم والذين ازداد عددهم كثيرًا، ولعل في ذلك أكبر شاهد على أن الأمن والطمأنينة، كانا وراء تلك الأرقام القياسية، ولعل ما أقره مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في عمان عام (1988) من تحديد نسب الحجاج، ساهم في تقليص الأعداد مؤقتًا، واستمرار تنفيذ المشاريع العملاقة هو محل تقدير الجميع، تلكم المشاريع التي تعدها المملكة لراحة الحجيج، ونشيد هنا بجهود وبمساهمة وزارة الداخلية ممثلة في كافة قطاعاتها المختلفة، فمساهماتها أساسية وهامة في كافة الفعاليات التي تسخر لخدمة الحجيج وتسهل لهم أداء نسكهم في يسر وأمان وطمأنينة وأجواء روحانية خالصة لوجه الله الكريم، وشمولهم بعناية فائقة مدة إقامتهم في الأراضي المقدسة، وخلال تنقلاتهم وسفرهم ذهابًا وإيابًا، وتستمر خدمة أمن الحجاج والحرص على راحتهم إلى أن يعودوا إلى بلدانهم، ابتداءً من تولى ممثليات خادم الحرمين الشريفين في سائر الدول توعية الحجيج وتنويرهم بالمناسك، والاطمئنان على جاهزيتهم، بما يكفل لهم أداء النسك الصحيح، حرصًا منهم على أن تكون الرحلة ميسرة خالصة لوجه الله الكريم، وكذلك قيام العديد من المشاريع المعدة لخدمة الحجاج، وتهيئة الطرق المستحدثة في كل جهة وصوب، وبذل المزيد من المتابعة المستمرة والمواكبة لقوافل الحجاج وتنقلاتهم، وتنظيم السير، وهناك جهات مستعدة لخدمة الحجاج تسعف المحتاج، وتعين المنقطع، وتداوي المريض، وتقدم شتى صنوف الخدمات، على طول هذه الطرق والمنافذ، ولعل كل فطين يدرك كم هو حجم الاستعداد للحج إذا ما قُورن بأكبر محفل عالمي، فموسم كالحج ربما يمكن أن يكون مرتعًا خصبًا للجريمة، كما نشاهد في التجمعات العالمية، مثل كأس العالم أو غير ذلك من التجمعات العالمية الأخرى، وأما في الحج ولله الحمد فالوضع يختلف تمامًا بفضل الله ثم بفضل ما توليه الدولة من عناية متمثلة في تنظيمات وتعليمات الحج من خطط أمنية وحرص ومتابعة، إنها جهود كبيرة تسهم دومًا في نجاح موسم الحج أمنيًّا وصحيًّا، وأن ما يمكن أن يحصل من حوادث يتم التعامل معها فورًا بما يكفل حصرها في أضيق الحدود، فهل أدركنا حجم تلك الجهود خاصة إذا علمنا أن أكثر الوافدين للحج من الطاعنين في السن والنساء الحوامل ثم اختلافات الطقس والأطعمة، كل ذلك يدعو المخلصين لبذل أقصى درجات الخدمة التي ترقى إلى مستوى الحدث فعلًا، فكل الدلائل تُشير إلى أن معظم الوافدين بحاجة إلى رعاية صحية، تسهم في معالجة كثير من الظواهر المرضية، التي قد تكون نتائج طبيعية لاختلاف الأماكن والأجواء والطقس، وكثرة التنقلات بالإضافة إلى لغات شتى وأجناس شتى وفي ظروف مناخية وتضاريسية متباينة، ويأبى قادة البلاد -حفظهم الله- إلا أن يكونوا في الميدان للتأكد والإشراف المباشر على خدمة كافة الحجاج وحرصًا منهم ـ حفظهم الله ـ على أمن ضيوف الرحمن وراحتهم ليكونوا في أجواء روحانية عابقة بذكر الله جل شأنه.
وقبل الختام وبلغة الأرقام: • 40 ألف متطوع لخدمة الحجاج 35 ألف حافلة وسائق و29 ألف ممارس صحي و28 مستشفى و124 مركزًا صحيًّا و53 ألف بين مهندس وموظف ومراقب لخدمة مرافق الحج التي يستخدمها الحجاج و264 مركز إسعاف و2500 مسعف و203 فرق متنقلة و250 ألف رجل أمن هذا بخلاف البُنى التحيتة الجبارة والمتجددة كل موسم؛ وذلك ليتمكنوا من أداء نسكهم ويعودوا إلى أهاليهم سالمين غانمين مغفور لهم -بإذن الله-، وفي الختام أدعو الله العلي القدير أن يوفق بلادنا حكومة وشعبًا لمزيد من التلاحم والتعاضد لما فيه خير البلاد والعباد.. ونُهنئ القيادة الحكيمة والشعب الوفي والأمة الإسلامية بنجاح حج هذا العام بشكل مميز وفريد، وأن يجعل الله ذلك في ميزان حسنات الجميع.
0