المقالات

حج مبرور .. بسلام آمنين

• لا شك أن الحج عبادة خالصة ذات روحانية إيمانية تحفها السكينة والهدوء، الأمر الذي يتطلب تجردًا من كل ما يشوب نقاء السريرة أو صفاء النية؛ ليتجه المسلم لربه وهو مخموم القلب لا غلَ ولا حسدَ، بل يكون متجردًا من مطامع الدنيا وملذاتها، لا فرق بين غني وفقير، الكل يلبس إزارًا ورداءً خاليين من أي مظهر للزينة والتفاخر!!

• ولأن أهميته تكمن في تعظيم الله له (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [سورة الحج الآية 32] كون الحج الركن الخامس الذي به يكتمل عقد الدين، مما يتوجب على المسلم أداؤه ما استطاع إليه سبيلًا، وهذا ما جعله محط اهتمام الدولة السعودية التي ترعى شؤون الحرمين الشريفين، بل تُمثل قبلة العالم الإسلامي وقلبه النابض، لتستنفر طاقاتها وتوظف إمكانياتها، بل وتبذل كل ما بوسعها من جهود لخدمة الحجيج؛ إذ إن نجاحه ليس بالأمر الهين، كونه يتطلب منظومة متكاملة من الخدمات والإجراءات الحكومية لا يقتصر على الصعيد المحلي وحسب بل يتطلب أيضًا تنسيقًا دوليًا للترتيب فيما يتعلق بتحديد نسب الحجاج وآلية القدوم والتقيُّد بالضوابط المتبعة وفقًا لمعايير تنظيمية، وهي ما كفلته (مبادرة طريق مكة)، والتي تُمكنهم من استكمال إجراءات سفرهم في بلدانهم قبل وصولهم لأرض المملكة، وهذا ما يُريحهم من عناء الاصطفاف والانتظار في المطار؛ ليتم نقلهم مباشرة لمقر سكنهم المعدة بكافة التجهيزات في مكة المكرمة لينعموا بالراحة والرفاهية!!
• ولأنه مناسبة دينية تعبدية تجمع المسلمين على قلب رجل واحد رغم اختلاف ألسنتهم وجنسياتهم وألوانهم وأعراقهم على صعيد واحد، وفي نطاق جغرافي -محدود المساحة- وهذا ما يصعب المهمة، مما يتطلب استعدادات مكثفة لترتيبات الحج وبرامجه وخططه المختلفة وتوزيع المهام وتوظيف القوى البشرية، من أجل إيجاد منظومة خدمات متقدمة تقانية وبشرية وبُنى تحتية تتمثل في التوسعات المتنامية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وكذلك التوسع في إنشاء المطارات والموانئ والمنافذ البرية، وكذلك إنشاء شبكة طرق سريعة بينية تربط المدن وبعضها، أو داخل نطاق مكة المكرمة والمدينة المنورة مع استخدام أحدث وسائل النقل كالقطارات والتاكسي الطائر، وأيضًا التوفير لسكن مهيأ ومجهز – وفق اشتراطات سلامة ورفاهية مشددة- تستوعب الأعداد المتزايدة عامًا بعد عام، والتي تفد من جميع أصقاع العالم؛ إضافة للترتيبات الأخرى الأمنية والتموينية والصحية والخدمية ووسائل التنقل بين المشاعر!

• وبما أن المملكة العربية السعودية أضحت دولة رقمية؛ فقد واكب ذلك أتمتة الخدمات التقنية واستخدام التطبيقات الذكية، لتسهيل الإجراءات الرسمية ونشر الوعي وإيصال التعليمات والأدلة التعبدية والإرشادية والصحية والخدمية الأخرى؛ لتكون في متناول الحجاج بيسر وسهولة دونما مشقة بحث أو عناء!!
• ولأن الخدمات الصحية تُعد امتدادًا لتلك الجهود فقد تم تهيئة المراكز الصحية والمستشفيات بكافة التجهيزات والكوادر الطبية لاستقبال من يحتاج للإسعاف أو العلاج الطارئ، كما هو الاهتمام بتوفير الغذاء وصحة البيئة والخدمات المساندة التي تتضافر كمقومات للصحة العامة!!
• ولأن موسم الحج يتزامن غالبًا مع فصل الصيف فقد بذلت جهود موفقة وناجحة للحد من ارتفاع درجات الحرارة لوقاية الحجاج من ضربات الشمس الحارقة من خلال الرشاشات التي تطلق الرذاذ لتلطيف الأجواء، أو بتظليل ممرات المشاة وتكييفها أو دهنها بمواد عاكسة لأشعة الشمس لتخفيض درجات الحرارة، وكذلك رصفها بمواد مطاطية مرنة ومريحة للمشي عليها، إلى غير ذلك من الإجراءات التي تعد نتاج أبحاث وحرص على تقديم ما يصب في مصلحة الحجاج وسلامتهم!!
• رغم حرص وجهود المراسلين والبعثات التلفزيونية التي يشكرون عليها؛ لنقل صور حية ومشاهد تعكس الجهود والمواقف الإنسانية وتضافر الجهود ووفرة الخدمات عبر شاشات التلفزة إلا أنها تظل عاجزة – بطبيعة الحال – عن أن تكون حاضرةً عند كل موقف إنساني رحيم، أو أن تغطي كل جوانب الحج وجمالياته، الأمر الذي جعل للإعلام الجديد يمتلك دورًا بارزًا في نقل صور عفوية من خلال لقطات كاميرات الأجهزة المحمولة العابرة، والتي سجل فيها رجال الأمن والصحة والمتطوعون مواقف إنسانية مشرفة وصورًا مُشرقة – يشكرون عليها- والتي تعكس الرحمة والعطف على المسنين والأطفال ومن يتطلب الأمر مساعدتهم!!
• وراء كل حج مبرور حشود كبيرة وعظيمة من كافة القطاعات العسكرية بفروع الجيش والأمن وكذلك القطاعات الخدمية؛ الصحية والبلدية والبيئية وفرق الإشراف والمتابعة من لدن وزارات الداخلية والحج والصحة والبلدية والوزارات الأخرى والإدارات والقطاعات الحكومية ومؤسسات الطوافة وفرق التطوع؛ أفرادًا ومنظمات، والتي عملت بصورة متسقة ومنسجمة في تكامل متقن وجودة عالية لم يكن له أن يتم لولا التوجيه والإشراف والمتابعة المباشرة من لدن قيادتنا الرشيدة التي تولي الحج عناية واهتمامًا خاصًا من منطلق ديني إنساني مكين، حتى أضحت المملكة مثالًا يقتدى به في إدارة الحشود وتسيير أعمال الحج على أكمل وجه، ولعل من يرى تلك العناية الخاصة بالمسنين والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة ليتأكد بأن كل حاج مكفول بالخدمة محفول بالرعاية معني بصفة فردية؛ ولربما بعناية لا يحظى بها أحدٌ في بلده وعند خاصة أهله!!

• إنها الرعاية الأبوية الحانية والمتابعة الحثيثة المباشرة من لدن خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد، وسمو وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العُليا، وسمو أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، وسمو نائبه، ومعالي وزير الحج والوزراء جميعًا، ومديري الدوائر الحكومية بمكة المكرمة؛ إذ يعمل كل وفق تسلسل إداري ووظيفي منضبط وبمهام محددة بدقة متناهية منعًا للازدواجية، إذ لا مكان للاتكالية، فالجميع يتسابق لتقديم كل ما من شأنه خدمة الحجيج والسهر على راحتهم، وكلهم يحمل بين جوانحه رسالةً قيمية تتخذ بُعدًا إيمانيًا عميقًا تترجمها جوانحه وجوارحه (خدمة الحاج شرف لنا) بذلًا وعطاءً؛ ابتغاءً لوجه الله والدار الآخرة، مضحيًا بوقته وجهده، واضعًا نصب عينيه الإسهام في إنجاح خطط الحج وتيسيره! كل في مجاله ومهامه الموكلة له!!
• إنها بحق مهمة صعبة جدًّا، لكنها في حكم التخطيط والخبرة المتراكمة والعزم الأكيد والهمة العالية والطموح الكبير والرؤية الثاقبة والمتابعة الدقيقة أصبحت مذللة كعملية آلية تتحدث وتتطور عامًا بعد عام استنادًا لرصيد من التجارب والخبرات مدعومة بالأبحاث والدراسات الإستراتيجية والخطط التطويرية، من منطلق شغف وعزيمة للسعودية والسعوديين؛ قيادةً وشعبًا، إذ يرون في هذه المهمة تكليفًا ربانيًا متوارثًا (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (سورة البقرة الآية 125)

• إن تقلد المملكة العربية السعودية لمسؤولية الحج شرف وحظوة خصت بها هذه البلاد انطلاقًا من تعظيمها للدين؛ شرعةً ومنهاجًا، وللحج الشعيرة المعظمة والعبادة الخالصة التي تتطلب صبرًا وجلدًا وعزمًا وحزمًا لمنع أي إخلال أو فوضى ليكون سلمًا وتسليمًا (لا لغو فيه ولا فسق ولا رفث) إنه توفيق الله، فعلى نياتكم ترزقون، وعلى عطائكم وجهدكم تؤجرون!!!

• تهنئة ومباركة:
أجمل التهاني والتبريكات لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – أطال الله بقاءه- ولسمو سيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بمناسبة إعلان نجاح خطط الحج لهذا العام 1445هـ؛ سائلًا المولى القدير أن يجعل ما قدموه ويقدمونه في موازين حسناتهم وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، إنه سميع مجيب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى