من أجل إنشاء مجتمع حيوي، ينعم أفراده بنمط حياة صحي؛ تسعى بلادنا الغالية، إلى تحقيق استدامة بيئية مُتقدِّمة في السلامة البيئية؛ حيث أولت رؤية 2030 حماية البيئة والموارد الطبيعية؛ أهميةً قصوى بوصفها إحدى الركائز الرئيسة الثلاث لتحقيق التنمية المستدامة، واعتمدت الإستراتيجية الوطنية للبيئة التي تضمنت 64 مبادرة للارتقاء بجميع النطاقات البيئية، وإعادة هيكلة قطاع البيئة، وكذلك اعتماد نظام جديد للبيئة؛ يتوافق مع أفضل المُمارسات العالمية، وكذلك نظام جديد لإدارة النفايات، مبني على أسس الاقـتصاد الدائري؛ بهدف تعزيز التنمية المُستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ولتحقيق هذه الأهداف مجتمعة؛ تتعاون العديد من الهيئات الحكومية لإدارة النفايات الصلبة، وتعزيز السلوكيات البيئية، والتخفيف من الآثار الضارة للقمامة على البيئة.
وبهدف تـنظيم أنشطة إدارة النفايات والإشراف عليها، وتحفيز الاستـثمار فيها، والارتقاء بجودتها بناءً على مبدأ الاقـتصاد الدائري في إدارة النفايات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ تمّ المركز الوطني لإدارة النفايات “MWAN” National center for Waste Management فقد تأسس في عام 1440هـ، ليُسهم بجهود كبيرة ومُقدّرة، بقيادة رئيسه التنفيذي سعادة الدكتور عبدالله السباعي، وأصحاب المعالي والسعادة أعضاء مجلس إدارته؛ الذي يضم كوكبة من المختصين وممثلي الجهات ذات العلاقة، في تحقيق مُستهدفات “الرؤية”، ومنها حرصه الكبير على ترجمة رؤيته التي تتلخّص في: “الريادة في تنظيم قطاع إدارة النفايات”، بتبني مبادئ الاقـتصاد الدائري لتحقيق الاستدامة وتعزيز حماية البيئة وجودة الحياة، ورسالته التي ترمي إلى: “تنظيم قطاع جاذب؛ من خلال تطبيق أفضل الممارسات والتقنيات والمعايير، وتعزيز الشفافية والفعالية والامتثال والرقمنة والابتكار”، بجانب مجموعة من القيم، وبحرصه على تسخير التقنيات المتقدمة والتطبيقات الحديثة في أعماله، فضمن إطار خطة لتوظيف التحوّل الرقمي في تحقيق مستهدفاته بصفة عامّة؛ ولتعزيز أعماله خلال موسم حج هذا العام ١٤٤٥هـ على وجه الخصوص؛ سخّر التقنيات الرقمية الحديثة، لدعم أعمال الرقابة والتفتيش، ومنها: (تعزيز الكفاءة التشغيلية؛ وحوكمة أعمال الرقابة والتفتيش. واستخدام وتحليل البيانات لدعم اتخاذ القرار، وزيادة معدل الامتثال لمقدمي الخدمات. والتكامل الرقمي مع الجهات ذات العلاقة)، حيث تفانى “المركز” في الارتقاء بالجوانب البيئية وتنظيم قطاع إدارة النفايات خلال موسم الحج، ممّا أسهم في توفير بيئة نظيفة وسليمة لجميع حجاج البيت العتيق، مع المحافظة على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة.
فضمن إطار مساعي (موان) المستمرة للحفاظ على البيئة وتعزيز الوعي البيئي خلال موسم الحج لعام 1445هـ، قام “المركز” بتنفيذ العديد من المبادرات الرئيسة التي هدفت إلى توفير بيئة صحية ونظيفة للحجاج طوال فترة الحج، والتي شملت على عدّة برامج ومبادرات تهدف لتنظيم قطاع إدارة النفايات والارتقاء به في أطهر بقاع الأرض، منها مبادرة “المخيم النموذجي في إدارة النفايات” التي ركزت على تطبيق معايير الإدارة المستدامة للنفايات الصلبة في مخيمات الحجاج، وذلك بهدف تقليل إنتاج النفايات من مصدرها، وتعظيم الاستفادة من الموارد قدر الإمكان وإعادة تدويرها، علاوةً على ذلك توعية الحجاج وموظفي المخيمات حول معايير الاستدامة وتشجيعهم على تطبيقها.
حيث برزت إحدى خصائص “المخيم النموذجي” باشتماله على جهاز تحويل بقايا الطعام إلى محسنات التربة، الذي يُستخدم لأول مرة داخل المشاعر المقدسة؛ حيث يتميز بقدرته الفائقة على استيعاب نحو 200 كيلو من بقايا الطعام وتحويله إلى كمية من السماد تُقدر بـ 10% من كمية الطعام المدخل في الجهاز، خلال 12-18 ساعة فقط، حيث عمل بكل ديناميكية وأمان دون أي انبعاثات أو روائح تصدر منه أثناء عملية التدوير. هذا بجانب تنفيذ مبادرة “إحرام مستدام” التي دخلت عامها الثالث، التي استهدفت التثقيف بأهمية إعادة التدوير وكيفية الإسهام في الحفاظ على البيئة، من خلال جمع وفرز مخلفات منسوجات الحجاج من إحرامات ووسائد وبطانيات ومفارش، ثم إعادة تدويرها وتوزيعها، وذلك من خلال وضع حاويات في مخيمات منى وفنادق مكة المكرمة لجمع منسوجات الحجاج، لجمع نحو 50 طنًا من الإحرامات، وأكثر من 300 ألف وسادة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
هذا في الوقت الذي عملت فيه مبادرة “إنشاء وتشغيل خلية هندسية لمعالجة النفايات الصلبة المتولدة من ذبائح المسالخ”؛ على معالجة أكثر من 12 ألف طن من نفايات ذبائح المسالخ خلال موسم حج هذا العام، حيث باشر “موان” أعمال تجهيز وتشغيل خلية هندسية في منطقة العكيشية بمكة المكرمة، لاستقبال ومعالجة مخلفات ذبائح المسالخ الخاصة بالحجاج والأهالي في الموسم. بالإضافة إلى تنفيذ مبادرة “رفع وعي مقدمي الخدمات في الحج بالممارسات السليمة في إدارة النفايات”، من خلال تقديم دورات تدريبية بعنوان: “الإدارة المستدامة للنفايات” لنحو 121 فردًا من مقدمي الخدمات في الموسم؛ وذلك بهدف تطوير مهاراتهم وقدراتهم، ورفع مستوى الوعي بأهمية تقليل حجم النفايات المنتجة واستخدام مواد صديقة للبيئة تُساهم في تقليل التلوث وتحافظ على سلامة البيئة. الأمر الذي يُجسِّد وعلى أرض الواقع؛ حرص “المركز” على تطبيق العديد من المبادرات، وتحقيق الاستفادة من النفايات المتولدة من الحجاج، ورفع الوعي حول أهمية تأثير سلوكياتنا البسيطة على البيئة، بما يكفل تعزيز الاستدامة البيئية في موسم الحج.
وضمن جهود المركز الوطني السعودي لإدارة النفايات المتكاملة للحفاظ على بيئة أقدس الأماكن على وجه الأرض، تقوم فرق من “المركز” بعمليات تفتيش منتظمة لضمان الإدارة الآمنة للنفايات؛ حيث قامت هذه الفرق، بجولات لضمان الإدارة الآمنة للنفايات، وتسهيل أداء مناسك الحج بكل سهولة ويسر وراحة البال، ومنها تفتيش 49 منشأة تشغيلية في قطاع إدارة النفايات في مكة المكرمة والمدينة المنورة في شهر مايو للتأكد من التزامها بلوائح إدارة النفايات.
في الوقت الذي يؤدي فيه المركز الوطني للامتثال البيئي، أدوارًا حاسمة في جمع البيانات ومراقبة جودة الهواء قبل موسم الحج وأثنائه وبعده؛ حيث يتم إرسال هذه الأرقام مباشرة إلى محطة المراقبة المركزية، ليقوم الخبراء الوطنيون بتحليلها وإصدار التقارير اليومية المقدمة إلى لجنة الحج.
بالإضافة إلى عمل عدّة آلاف من عمال النظافة بجد في شوارع منطقة مكة المكرمة، لفصل النفايات البلاستيكية عن السماد، مع قيام “المركز” بجولات تفتيشية على المواقع والمرافق للتأكد من مطابقـتها للأنظمة والمعايير البيئية؛ وذلك ضمن أعمال خطته التشغيلية لهذا العام، والتي تضمنت جولات تفقدية على المواقع والمرافق في المحطات الصحية والبلدية والصناعية والزراعية والوقود والطرق التي يسلكها حجاج بيت الله الحرام، وتم خلال هذه الزيارات؛ الإبلاغ عن أي منشأة تبين أنها غير ملتزمة إلى الجهات المعنية، للتأكد من جودة الظروف البيئية؛ وذلك قبل بدء أعمال موسم الحج. وفي مرحلة ثانية، كثف المركز زياراته الميدانية حول منطقة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، ورصد عينات المياه والتربة والهواء للتأكد من سلامتها، مع اشتمال خطة الرصد لهذا العام، على رصد الانتهاكات البيئية والاستجابة لحالات الطوارئ البيئية في مخيمات المشاعر المقدسة.
وهكذا.. عمل فريق المركز من المفتشين والمتخصصين البيئيين على مدار الساعة خلال موسم حج هذا العام 1445هـ، لضمان راحة ضيوف الرحمن، من خلال المراقبة البيئية المستمرة، والكشف الفوري عن أي مخالفات للمعايير البيئية والتلوث الضوضائي.
* المُلحق الثـقافي بسفارة خادم الحرمين الشريفين في أنقرة