لم يكن لأحدٍ من البشر أن يختار زمانه أو أرضه، أو أن يُحدد نسبه ومكانته، فكل ما على الأرض مُقَدّر ومحسوب.. وقدرنا أن أصبحنا مسلمين نستظل تحت راية التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”.
ونحن نفخر بانتمائنا لدولة تحمي أعظم تُربة خُلِقَت على وجه الأرض.. وتحتضن قبلة المسلمين.. هي الدولة التي اختارها الله تعالى لخدمة الحرمين الشريفين، وحجاج البيت الحرام والمعتمرين وزوّار الأراضي المقدسة.
فمنذ أن تأسست المملكة العربية السعودية، واستظلت تلك البقاع الطاهرة تحت ظلالها؛ تعهدت الحكومة السعودية في دستورها بإعمار الحرمين الشريفين وخدمتهما، وتوفير الأمن والرعاية لقاصديهما لأداء فريضتي الحج والعمرة، ليؤدوا مناسكهم بيُسرٍ وطمأنينة.
جاء موسم الحج، وتهافت الحجاج من كل بقاع الأرض صوب قبلة واحدة ليكملوا دينهم بتأدية فريضتهم. أقبل الحجاج والبسمات تستقبلهم على محيا كل من قابلهم، فهم ضيوف المملكة الذين تتشرف كل عام باستقبالهم، ويسعد كل فرد بقدومهم، ومن لم يكن حاضرًا في مكة لاستقبالهم كان معهم بروحه متابعـًا لخطواتهم منذ أن وطـأت أقدامهم أرض المملكة، وفي تنقلاتهم المبهجة بين المشاعر المقدسة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشاشات الصغيرة.
ومما يملأ القلب عزًا وفخرًا ما تقع عليه الأعين عبر تلك الشاشات الصغيرة، وما التقطته الصور لجهود خفية من أولئك الجنود والمتطوعين في الحج الذين تعلو البشاشة على محياهم؛ إذ لم تحجبها أشعة الشمس الحارقة، ولا نسمات السموم الحارقة؛ وذلك ليس بمستغرب منهم، فكيف لا يكونوا كذلك وهم قد ترعرعوا في أرض الكرم والضيافة، وارتووا من عظيم قيمها وأخلاقها.
يقوم موسم الحج على سلسلة من الجهود الخفية والظاهرة التي لا يهدأ لها بالًا، ولا يغفى طَرْفُها حتى تودع آخر حاج قَدِمَ إلى أرض مكة ملبيًّا.. ولا شك أن تلك الجهود تبدأ منذ انتهاء الموسم لتكون على استعداد للموسم القادم.. إنها كنبض القلب لا تتوقف لحظة.. وفي كل عام تُصحح الأخطاء وتُبدل الوسائل وفق أحدث ما توصل له العلم، وقدمته التقنية لتكون أقدر على تلبية متطلبات الحج، وأيسر في التعامل معها.
موسم الحج قوة عظيمة تكشف للعالم معنى أن تكون تحت ظل دولة تؤمن بقيمة الأمانة التي تحملها على عاتقها في خدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما، وأن ترى بعينيك علنًا ذلك التنظيم المبهر، وتلك الجهود المتضافرة بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة ومساندات المتطوعين الذين لم يأتوا إلا تلبية لنداء الوطن بالتكاتف والتعاون لخدمة حجاج بيت الله الحرام.
إن ما شاهدناه في موسم الحج قصاصة صغيرة من هوية دولة عظيمة حملت على عاتقها خدمة الإسلام والمسلمين، فأوفت بما قالت: “نحن لا ندخر وسعًا في بذل كل جهد وتوفير كل ما يلبي احتياجات ضيوف الرحمن ويحقق تطلعاتهم، ونؤمن بأن علينا أن نضاعف جهودنا لنبقى رمزًا لكرم الضيافة وحسن الوفادة”.
فالحمد لله على هذا النجاح المبهر الذي نكّس رؤوس الحاسدين.. والحمد لله على نعمتي الأمن والدين.. أدام الله لبلادنا الخير والقوة في ظل مليكنا سلمان بن عبد العزيز.. وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وأبقاهما عزًا للإسلام والمسلمين.