لا يكاد توجد سنة من سنوات الحج، إلا وقد تعرَّض فيها الحجاج للأوبئة، والحوادث، والإجهاد الحراري الذي يؤدي إلى الوفاة، وهذا أمر طبيعي؛ خاصة وفيهم كبير السن والمريض.
وقالت دراسة أجرتها شركة “جيوفيزيكال”، عام 2019م، إنه مع ارتفاع درجات الحرارة في السعودية بسبب تغيُّر المناخ، فإن الحجاج سيواجهون “خطرًا شديدًا”.
وتاريخيًا تعطل الحج أكثر من عشرين مرة بسبب الاضطرابات السياسية، والاقتصادية، والأوبئة، والتي من أشهرها ما يُعرف بوباء (الماشري)، الذي وقع في القرن الرابع الهجري، وأدى إلى وفاة جميع الحجاج في تلك السنة.
وقبل مائتي سنة أصاب الحج وباءً عظيمًا، حتى فُنِىَ الآلاف من الحجاج، بل إن السنة التي تلتها لم يحج أحد بسبب وجود الوباء.
واليوم تقوم المملكة في محاولة منها لسلامة الحجاج، والمحافظة عليهم، بوضع نظام يمكنها من استيعاب عدد مناسب من الحجاج؛ لأن المشاعر أماكن محدودة المساحة، ولا يمكن أبدًا أن تستوعب كل الراغبين في الحج.
ومع سهولة وسائل السفر، وسرعة الحصول على التأشيرات، أصبح الكل يريد أن يحج، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه لصعوبة استيعابهم جميعًا، لذلك قامت الدولة-أعزها الله- بوضع أنظمة فرضتها على مواطنيها قبل غيرهم؛ (لا حج إلا بتصريح).
تم التنسيق مع مسؤولي الحج في الدول الإسلامية، بأن الحجاج غير المصرح لهم لا يمكنهم أداء الفريضة؛ فكون المملكة تسمح بتأشيرات سياحية، أو للزيارة، ثم يأتي بعض من هؤلاء ويتجاوزون القانون ويدخلون مكة خلسةً، بغرض الحج بلا تصريح وبالتنسيق مع بعض المخالفين، فهذا أمر لا يمكن تُلقَى تبعيته على المملكة التي تحارب مثل هذه الأعمال، وهؤلاء الحجاج ممن غُرر بهم أحيانًا يأتون إلى المشاعر فيفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، في جو شديد الحرارة، وفي ظروف غير مهيأة، لا أمنيًا، ولا صحيًا، ولا نظاميًا.
وأغلب الذين تعرضوا للموت في الحج من الذين كانوا لا يحملون تصريحًا للحج، ولا يوجد لهم سجل في أسماء الحجاج، حتى تتم خدمتهم والاعتناء بهم.
والغريب أن بعض أهل العلم يقومون بنشر فتاوى ضد هذه الأنظمة التي تحفظ للحجاج أمنهم وسلامتهم، وكأنهم يريدون من المسلمين جميعًا أن يحجوا؛ لدرجة أن أحد هؤلاء العلماء فسر قوله تعالى: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (سورة آل عمران الآية 97)؛ بأن السبيل جائز حتى لو كان بالغش، والخداع، ومخالفة الأنظمة، متناسيًا أن الله حرَّم الرفث، والفسوق، والجدال في الحج، فكيف بالغش، والخداع، والتدليس والتي تُعتبر من أعلى مراتب الفسوق.
دعاني للكتابة، صورة نشرتها صحيفة (النيويورك تايمز)، تُجسد أصدق وأجمل تجسيد خدمة حجاج بيت الله الحرام القادمين من جميع دول العالم، وتبين استحقاق الملك سلمان لقب خادم الحرمين الشريفين، فقد سخرت القيادة كل الإمكانات لنجاح الحج بتوجيه من الملك ومتابعة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-.
مع العلم أن هذه الصحيفة لها مواقف غير إيجابية مع المملكة، إنها من مصاديق قول الشاعر:
شهدت عِداك بكُنهِ فضلك عَنوةً/ والفضل ما شهدت به الأعداءُ
0