عبدالله الذويبي – تزخر مكة المكرمة بتراث عظيم مستمد أصوله من دين الإسلام وقبلة المسلمين وأحداث التاريخ وحضارة المكان والسكان؛ حيث مهوى الأفئدة ومقصد الحاج والزائر والمعتمر كالمشاعر المقدسة والكعبة المشرفة، والمعالم والآثار والمشاهد والشعائر المعظمة وغيرها من مواقيت العمرة المكانية مثل: التنعيم وجعرانة والحديبية التي ساهمت في صنع التاريخ المكي وحضارته، وتُعد اليوم من أهم الأماكن المرتبطة بالسيرة النبوية والحج والعمرة التي يأتيها الناس على مختلف أشكالهم وبلدانهم للصلاة فيها ومشاهدة آثارها ومعالمها، نُقدم للقارئ ومضات عن تاريخ مكة المكرمة وحضارتها من خلال التعريف بميقات التنعيم على طرف حرم مكة مع عدد من التقينا بهم.
قال الدكتور خالد بن عبدالله آل زيد الباحث في قسم التاريخ والآثار بجامعة أم القرى حي التنعيم من أهم مواقيت العمرة المكية الذي حدده النبي كموضع لأداء العمرة، وهو عبارة عن حي بين جبلين هما “ناعم ونعيم”، ويُعد من أهم محاور العمران في الكيان المكي الذي يُشكل الامتداد السطحي لأرض الحرم من ناحية شمال مكة المكرمة مع غيره من أحياء الحل، ويتميز هذا الحي بوجود مسجد يحمل اسمه ويُسمى كذلك بمسجد عائشة بنت الصديق التي اعتمرت مع أخوها -رضي الله عنهما- بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- دلالة على أهمية هذا الموضع التاريخية وقيمته الدينية؛ حيث يُعد أقرب مكان من الحل للمسجد الحرام تبين من خلاله حدود أرض الحرم المكي الشريف.
ومن أهم مميزات حي التنعيم توافد الزوار والعمّار بشكل متواصل طوال العام على مسجد عائشة فيه للاعتمار، ورؤية المشاهد والآثار الإسلامية، ورؤية أهم المعالم المكية، ومن أهمها العلامات الأثرية المنصوية هناك التي تميز الحل عن الحرم، وحظيت بعناية ورعاية المملكة العربية السعودية من خلال إنشاء علامات جديدة بجوار تلك العلامات التاريخية على جانبي الطريق كمعالم تُضفي على المكان جمالًا وحضارة إلى جانب تاريخها العريق.
ومما يميز هذا الميقات وقوعه على طريق المدينة؛ فهو مشاهد ومزار يزوره المعتمرون والسياح، وكل من أراد الذهاب إلى المدينة المنورة؛ فهو يعد بحق من أجمل أحياء مكة عراقة وأصالة.
كما أوضح الباحث الأستاذ . بدر بن ستير اللحياني، سمى تقي الدين الفاسي هذا المسجد في عصره بمسجد الهليلجة.. وهي تسمية غير معروفة.. ونقل الفاسي في عقده نصًا تأسيسيًا..يعود لسنة ٤٦٦هـ. كان بحجر جوار المسجد ونصه:
(أمر بعمارة مسجد عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، بأمر منه، الرئيس الأجل السيد فخر الرؤساء مغيث الحرمين، أبو النصر إبراهيم بن محمد بن علي، عنه وعن أخيه الرئيس الأجل السيد ذي المحاسن أبي مسعود علي بن محمد بن علي، تقبل الله عملهما وبلغهما في الدارين أملهما وشكر سعيهما، ولا قطع من الحرمين أثرهما، وذلك في رجب سنة ست وستين وأربعمائة. انتهى باختصار).
ويبدو أن المسجد كان قريبًا جدًّا من سفح الجبل الشرقي.. ولكنه خارج حد الحرم.