تمتلك المملكة -ولله الحمد- مخزونًا هائلًا من مقومات القوة الناعمة، وتسعى منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- في وضع خطة إستراتيجية من أجل الاستفادة منها، ومن أهمها رعاية المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي مجالات عدة، من أهمها العلم والتعليم، كيف لا وعلى (الوادي) نزلت (اقرأ)!
اختارها الله لأن تكون راعية لبيته الحرام، الذي جعله مثابةً للناس وأمنًا، ومسجد نبيه بالمدينة؛ والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، واختار حكامها أن يكونوا خدامًا للحرمين الشريفين، (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ۗ ) (سورة القصص الآية 68)
إن القلوب للحرمين الشريفين هاوية، والأبدان نحوها جارية، والأبصار عليها شاخصة؛ لا يمكن أن يُنافس بلادنا المباركة أحدًا في مكانتها الإسلامية، كيف لا وفيها قبلة المسلمين، يحج إليها ويعتمر الملايين، فخدمتهم، ورعايتهم، وتسهيل أداء شعيرتهم، وأمنهم؛ هي القوة السعودية الناعمة.
شخصيًّا لمست أثر هذه القوة الناعمة وأنا في موقع المسؤولية، حين زارني غير مرة، أكثر من مسؤول من الدول الإسلامية من الذين تتلمذوا في مؤسساتنا التعليمية، وجدت فيهم الحب، والتقدير، والاعتزاز، للمملكة وشعبها وقيادتها، وجدتهم سفراء لبلادنا، يدافعون عنها، وينقلون الصورة الصحيحة لها، والتعريف بثـقافتها وحضارتها.
لمستها داخل الجامعة لدى معلمي اللغة العربية من غير العرب، عند استضافتهم في (معهد اللغة العربية لغير الناطقين بها) في دوراته الصيفية التي يقيمها المعهد، لازال في الذاكرة قول أحدهم في كلمته بالحفل الذي أقيم بعد انتهاء الدورة: “لا أعرف ما هو العمل الصالح الذي قمت به حتى يكرمني الله بتعلم لغة (القرآن) في المدينة التي نزل فيها (القرآن)”.
آخرها منذ أيام زارني وزير التعليم العالي الماليزي، يرافقه رئيس جامعة ماليزيا (UM)، ونائب رئيس جامعة ماليزيا للتقنية (UMT)، أستاذ الدراسات الإسلامية (نور إسماعيل)، الذي وجدته يتكلم بكل فخر واعتزاز أمام الحضور، كُونه أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لمرحلة الدكتوراة قبل ثلاثة عقود.
الجامعة الإسلامية التي تأسست عام 1961م، تُمثل مشروع طموح وقوة ناعمة للمملكة من خلال ما تملكه من برامج أكاديمية، وتـثـقيفية، وإمكانات كبيرة، جعلت لها بنية معرفية، استقطبت الكثير من العلماء والكوادر الأكاديمية، والطلاب البارزين، في العالم الإسلامي؛ استمرت هذه الجامعة العريقة التي تمثل مركز إشعاع في العالم الإسلامي على هذا المنوال إلى أن انطلقت مرحلتها الثانية في 15 من مايو 2010م، عندما تمت الموافقة الملكية الكريمة على افتتاح بعض الكليات العلمية بالجامعة.
هذا التطور مكَّن الجامعة من تخريج طلاب من العالم الإسلامي متسلحين بعلوم الدنيا والدين، أذكر عندما زارني وزير الشؤون الإسلامية الإندونيسي مع وفد به بعض خريجي أم القرى، والإمام بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد ذكرت ذلك غير مرة؛ قال نتمنى على قيادة المملكة إفساح المجال لطلاب المنح لدراسة العلوم الحياتية بالإضافة للروحية، وقد تحقق ذلك بفضل الله ثم بدعم القيادة -حفظها الله-.
نحن نعيش زمن استخدام الدول لقوتها الناعمة، فبالأفلام، والوجبات السريعة، والمنح الدراسية، والمساعدات، واستقطاب الكفاءات العالمية المتميزة، حصلت أمريكا على تعاطف الكثير من الشعوب، وكذلك الأمر بالنسبة لدول مثل: بريطانيا، وألمانيا، والصين في وقـتـنا الحاضر.
0