المقالات

لماذا لا نستفيد من الدورات؟! هكذا تعلّمت كتابة القصة القصيرة جدًّا

شغفت فترة طويلة من حياتي الثـقافية بقراءة القصة القصيرة وصب اهتمامي عليها من بين الأجناس الأدبية الأخرى، أدمنت عليها، قرأتها لكتّاب معروفين ومغمورين، جربت أن أغوص في لججها وأخوض غمراتها في بعض الأحيان. خلال الغوص فوجئت بأخرى أقصر منها تسمى: قصيرة جدًّا، سطران أو ثلاثة أو بضعة أسطر؛ فإن زادت فلا تتجاوز الخمسين. ماذا تريد أن تقول هذه القزمة؟ ماذا يسعها أن تقول من خلال هذه المساحة الضيقة؟

هل الأقصر أعمق؟
دفعني الفضول وحب الاكتشاف لمعرفة المزيد حول القصة القصيرة، واصلت قراءة نماذجها، شيئًا فشيئًا بدأتْ تتجلّى لي، بدأتُ أكتشف أنها تستطيع أن تقول الكثير، وربما أكثر من القصيرة أحيانًا. إلى هذا الحد؟ نعم؛ ولكن كيف أكتب مثلها؟ لا أدري، لا أعرف شروطها وأساسياتها والفنيات الخاصة بها؛ ولكني بدأت أكتبها على أي حال، ولا أدري إن كانت قصيرة جدًّا تنطبق عليها الشروط أم هي مجرد محاولات ارتجالية؛ حتى حضرت ورشة عملية دقيقة في تقنيات كتابتها للأديب المبدع الأستاذ خلف بن سرحان القرشي، أحد مبدعيها المتميزين في بلادنا؛ لم تتجاوز مدة الورشة يومين أو ثلاثة فقط؛ ولكنها كانت نقلة نوعية حقًّا في فهم طبيعتها ودقائقها وأسرارها وفنياتها وشروط كتابتها وما إلى ذلك.

كيف كانت الورشة؟
ورشة حقيقية تركز على الجانب العملي، ناقش المقدم خلالها نصوصًا منشورة من هذا الجنس الأدبي المستحدث بعد الاستفاضة في شرحها نظريًّا؛ إلى جانب تزويد المشاركين بمراجع إثرائية يكلفهم بقراءتها وبإجراء تدريبات عملية ومحاولات كتابية في هذا الفن. انتهت الورشة المكثفة بعد ثلاثة أيام بالنسبة لمقدمها والمشاركين فيها باستثنائي؛ لأنها استمرت معي أربعين يومًا تقريبًا.

ماذا كنت أفعل خلالهن؟
– أبحث عن مجموعات منشورة في فن القصة القصيرة جدًّا وأقرأهن.
– أبحث عنها في زحمة الاكتظاظ النشري في الفيسبوك، وأتتبعها قراءة وتأملًا؛ وإن كنت لا أفهم أكثرها.
– أطلع على أبحاث ودراسات نظرية وكتب نقدية حول هذا الفن.
– أكتب يوميًا ما بين ثلاثة وستة نصوص وأنشر إحداها في مجموعة واتس مخصصة للكتابة الإبداعية؛ للاستفادة من رجع صدى الأعضاء.
– أتواصل مع بعض أعضاء المجموعة عبر الخاص، وأعرض عليهم محاولاتي لاستفادة أكبر.
– عملت بنصيحة مقدم الورشة واستمررت في كتابة النصوص واحدًا وعشرين يومًا متتالية لغرسها عادة وترسيخها، ثم واصلت أكتبها إلى أربعين يومًا، ثم لم أتوقف عن كتابتها حتى هذه اللحظة.
– بحثت عمن يكتبها بشكل مختلف وأساليب مغايرة لإثراء تجربتي، والاستفادة من كل المذاهب والتوجهات.
– شاركت في مسابقات عديدة في كتابتها إما بقصة واحدة، وإما بمجموعة كاملة، وحققت في بعضها نتائج مرضية.
– أصبحت أدقق في كل شيء حولي، أبحث عن قصة قصيرة مخبوءة أو مختفية أو منسية أو منتظرة أو متربصة في ثنايا نص أقرأه، أو سورة من القرآن أتلوها، أو مقطع مرئي أشاهده، أو مسمع صوتي أصغي إليه، أو حوار عادي أجريه، أو مشهد عابر يمرّ أمامي، أو…؛ لأنتهي إلى اكتشاف أن صندوق الحكايات كامن في داخلي أساسًا أفتحه متى أشاء، وأحرر منه الحكايات الحبيسة حمائم طليقة كيفما أشاء.

أمازلنا طلابًا؟
كل ذلك وأكثر عملته في سبيل تجويد كتابتي للقصة القصيرة جدًّا وإحكام صنعتها وإتقان نسج حبكتها وفنياتها؛ تأثرًا بورشة عملية مكثفة حضرتها لم تتجاوز مدتها ست ساعات في ثلاثة أيام متتالية.
هل عرفنا الآن لماذا لا نستفيد كما ينبغي من أغلب الدورات التي نتحمس لها ونشارك فيها ونحضرها بلهفة لاهثة وننساها ببرود فور خروجنا وانتهائنا منها؛ تمامًا كما ينسى الطالب المجدّ مادته التي اختبر فيها قبل خروجه من قاعة امتحانها؟

– مكة المكرمة

تعليق واحد

  1. الحق معك أستاذ إبراهيم وإنما ورش الأستاذ خلف قمة في التطبيق والتعليم والتوجيه السليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى