المقالات

المملكة ومصر .. علاقات استراتيجية ممتدة عبر الزمن

يحدثنا التاريخ أن الزيارة الخارجية الوحيدة للملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن – طيب الله ثراه- كانت للشقيقة مصر في شهلر يناير عام 1946م، حيث أقيمت الاحتفالات الرسمية والشعبية في كل الأراضي المصرية لاستقبال الملك عبد العزيز، حيث كان الملك فاروق الأول في استقباله بميناء السويس. وقد أقام الملك عبد العزيز أثناء زيارته الميمونة بالقاهرةن كما سافر إلى كل من المحلة الكبرى، والأسكندرية وسط أجواء احتفالية رائعة.
فيما كانت أولى زيارات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان الخارجية – كولي للعهد- على الإطلاق إلى القاهرة، وذلك في الفترة ما بين (4-6) مارس 2018م، وهو ما يعكس قوة ومتانة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين.
وما بين زيارتي الملك المؤسس، وسمو ولي العهد التاريخيتين، يبرز دور وتأثير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز اللافت في سجل العلاقات بين البلدين، وهو ما ظهر بجلاء أثناء الإحتفال الكبير الذي أقامه الرئيس عبد الفتاح السيسي بقصر الإتحادية بالقاهرة (الأول من شهر رجب 1437 هـ) حين قلد الرئيس السيسي أخاه خادم الحرمين الشريفين قلادة النيل.. أرفع الأوسمة المصرية تقديرا له – حفظه الله- لما قدم من خدماته إنسانية جليلة، وخلال الاحتفال قال الملك سلمان: “لقد حرص الملك المؤسس عبد العزيز – رحمه الله- على ترسيخ أساس صلب للعلاقات السعودية – المصرية، وكانت زيارته إلى مصر عام 1946م هي الزيارة الخارجية الوحيدة التي قام بها طيلة فترة توليه الحكم، ما أكد الأهمية الكبيرة التي كان يوليها – رحمه الله- لهذه العلاقة الفريدة والمتميزة، ولقد وقفت المملكة العربية السعودية منذ ذلك التاريخ وما زالت إلى جانب شقيقتها جمهورية مصر العربية بكل إمكاناتها وفي مختلف الظروف، ما جعل بلدينا حصناً منيعاً لأمتنا العربية والإسلامية”.

مواقف الملك سلمان
وخلال العدوان الثلاثي (الإنجليزي- الفرنسي- الإسرائيلي) على مصر عام 1956م، وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكان الملك سلمان – أمير الرياض آنذاك- واحداً من أربعة أمراء من أبناء عبد العزيز (الأمير فهد “الملك فيما بعد”، والأمير محمد، والأمير تركي) انضموا إلى معسكرات التدريب للدفاع عن مصر، كما انضم العديد من المواطنين السعوديين إلى معسكرات التطوع للتدريب مقتدين بالأمراء.
وبعد انتهاء العدوان الثلاثي، قام الملك سلمان بتشكيل لجنة لجمع التبرعات لصالح أهالي السويس، باسم “لجنة التبرع لمنكوبي السويس”.
كما وقفت المملكة بجوار شقيقتها مصر في أعقاب نكسة 1967م، وخوض مصر لحرب الإستنزاف وصولاً إلى انتصار السادس من أكتوبر عام 1973م، واستخدام المملكة لسلاح النفط أمام الدول الداعمة لإسرائيل.
ولا ننسى الموقف المصري المشرف في الوقوف بجوار المملكة ودول الخليج أثناء الغزو العراقي للكويت في بداية تسعينيات القرن العشرين حتى تم تحرير الكويت.
ولمن لا يعرف، فإن الملك سلمان – أيده الله- كان هو مهندس عودة العلاقات (السعودية- المصرية) و(العربية- المصرية) عام 1981م، وذلك بعد القطيعة التي حدثت بين مصر وشقيقاتها العربيات في أعقاب اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979م إثر مفاوضات “كامب ديفيد” برعاية الولايات المتحدة 1978م.
وفي ذلك العام (1981م)، أقامت المملكة برعاية الملك سلمان (أمير الرياض آنذاك) معرض “المملكة بين الأمس واليوم” بالقاهرة، والذي افتتحه الرئيس المصري ألسبق حسني مبارك، وكانت تلك البداية الحقيقية لعودة مصر للحضن العربي.

الجانب الاقتصادي
على المستوى الاقتصادي، تخطى حجم التبادل التجارى بين البلدين خمسين مليار دولار، كما أن هناك أكتر من 7 آلاف شركة سعودية فى السوق المصرية تستثمرما يربو على 30 مليار دولار، وذلك من خلال مجلس التنسيق السعودى المصري، والاتفاقات ومذكرات التفاهم بين المؤسسات الحكومية فى كلا البلدين، فضلاً عن الشركة السعودية المصرية للاستثمار.. وهي شركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وهناك استثمارات مليارية للعديد من رجال الأعمال السعوديين الكبار من امثال: الأمير الوليد بن طلال، والشيخ صالح كامل – رحمه الله-، وعائلات: بن لادن، والشربتلي، والشبكشي، والحكير، وعبد اللطيف جميل، والعثيم .. والقائمة تطول.

أسماء لامعة
الارتباط السعودي المصري ضارب في أعماق التاريخ، وهناك أسماء سعودية لامعة في كافة المجالات درست وعاشت في مصر، ومنهم – على سبيل المثال لا الحصر-: علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر (درس في كلية الآداب- جامعة القاهرة) ولم يكمل دراسته بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939م، ود. عبد العزيز الخويطر وزير المعارف الأسبق (خريج كلية دار العلوم- جامعة القاهرة)، والشيخ جميل الحجيلان أول وزير إعلام سعودي (خريج كلية الحقوق- جامعة القاهرة)، وهي نفس الكلية التي تخرج منها د. غازي القصيبي الشاعر والأديب والسفير والوزير، والذي تولى وزارات: التجارة والصناعة، والصحة، والمياه والكهرباء، والعمل. وأيضاً: عبد الله الطريقي أول وزير للبترول والثروة المعدنية (خريج كلية العلوم- جامعة القاهرة)، ود. حسن نصيف وزير الصحة الأسبق (خريج كلية طب القصر العيني- جامعة القاهرة)، وكذلك الشقيقان: د. غازي عبيد مدني .. مدير جامعة الملك عبد العزيز بجدة سابقاً (خريج كلية التجارة – جامعة القاهرة)، ود. نزار بن عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً (خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة أيضاً)، والسيد/ أمين عقيل عطاس وكيل وزارة الحج والأوقاف والأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي سابقاً، وغيرهم الكثير – رحمهم الله-.
وعلى المستوى الثقافي والأدبي، هناك أسماء مميزة ارتبطت بمصر.. دراسة أو إقامةً.. مثل: الشاعر إبراهيم فودة، والناقد الكبير عبد الله عبد الجبار، والشاعر الكبير حمزة شحاتة، والشاعر والأديب إبراهيم هاشم فلالي، والأديب والشاعر عبد الحميد مشخص، وغيرهم.
وعلى المستوى الصحفي هناك: أحمد عبيد (والد د. ثريا أحمد عبيد) رئيس تحرير مجلة “الرياض” وهي أول مجلة سعودية مصورة ورئيس تحرير مجلة “صرخة العرب” الصادرة من القاهرة، والكاتب الصحفي عبد الله أبو السمح أول سعودي تخرج من قسم الصحافة بكلية الآداب- جامعة القاهرة، وتبعه في الدفعة الثانية من خريجي نفس القسم كلاً من: يوسف دمنهوري (رئيس تحرير صحيفتي “الندوة”، و”البلاد”)، ومحمد علي حافظ رئيس تحرير صحيفة “المدينة”، ثم “الشرق الأوسط” مع أخيه هشام حافظ (خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة)، ثم جاءت الدفعة الثالثة وفيها كلاً من: د. اسامة السباعي رئيس تحرير مجلة “إقرأ” وصحيفة “المدينة”، ود. حمود البدر أول أمين عام لمجلس الشورى عند تأسيسه.
ولا ننسى الأديب والكاتب الصحفي الكبير د. عبد الله مناع مؤسس وأول رئيس تحرير لمجلة “إقرأ”، ثم لمجلة “الإعلام والإتصال” الصادرة عن وزارة الإعلام، وهو خريج كلية طب الأسنان- جامعة الأسكندرية.. والقائمة تطول.

الأزهر الشريف
أما عن الأزهر الشريف فحدث ولا حرج، إذ كان به منذ بدايات القرن الثامن عشر الميلادي “رواق المكيين”، وكان يقع على يمين المتجه إلى المنبر السالك من “رواق الصعايدة”، وعلى يساره “رواق التكارنة”.
وقد درج جماعة من أعيان المجتمع السعودي على التوجه إلى القاهرة للدراسة بالأزهر مثل: الشريف/ أحمد بن زيد، والشريف/ عجلان بن جاد الله، والشيخ محمد بن عبدالكريم السمّان. فيما مكث العديد من علماء المملكة بالقاهرة في فترة من فترات حياتهم من أمثال: الشيخ تاج الدين بن جلال الدين إلياس المدني، والسيد/ عبدالله بن إبراهيم الميرغني الحسني (المعروف بـ “المحجوب”)، والأديب والشاعر علي بن تاج الدين القلعي، كما استوطن بمصر بدايات القرن التاسع عشر الميلادي العالم الشيخ محمد شهاب الدين الحجازي.
فيما يُعد محمد السليمان الفرهود أول طالب سعودي يلتحق بالأزهر الشريف في بدايات القرن العشرين، فيما حصل العالم والخطيب والأديب والشاعر أحمد بن محمد العربي على “الثانوية الأزهرية” (حصل على الشهادة العليا من مدرسة دار العلوم العليا فيما بعد)، بينما حصل محمد بن أحمد بن بكري شطا على “شهادة القضاء الشرعي”، ثم درس التربية والآداب في الأزهر إلى أن نال فيهما درجة الدكتوراه بتفوق، وهو أول سعودي يحصل على الدكتوراه من الأزهر.
أما المؤرخ والقاص والتربوي محمد سعيد دفتردار فقد نال “الشهادة العالمية”، ثم درس في كلية الشريعة، بينما حصل د. محمد بن علوي المالكي على الشهادة الجامعية ودرجتي الماجستير والدكتوراه من كلية أصول الدين – قسم الحديث بجامعة الأزهر، وغيرهم كثيرون.

بين الموسيقى والدراما
على مستوى الموسيقى، فقد درس الموسيقار طارق عبد الحكيم في معهد الموسيقى العربية بالقاهرة، كما انطلقت شهرة فنان العرب محمد عبده على المستوى العربي من القاهرة، علماً بأنه غنى من ألحان الموسيقار بليغ حمدي أغنية “يا ليلة”.
فيما ارتبط المطرب الكبير طلال مداح بمصر طوال مسيرته، وقد كان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب من أشد المعجبين بصوت طلال وكان هناك مشروع لأغنيتين بينهما لم يريا النور.
وقد غنى طلال من ألحان الموسيقار محمد الموجي أغنيتين وهما: لي طلب من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن، وضايع في المحبه من كلمات مشاعر عزت. كما غنى طلال للموسيقار بليغ حمدي أغنية “يا قمرنا” من كلمات “المنتظر”، كذلك تعاون مع الموسيقار د. جمال سلامة في أغنية “يا حبيب العمر” من كلمات الشاعر السعودي محمد هاشم رشيد.
وقد لا يعرف الكثيرون أن محمد عبد الوهاب قد لحن وغنى قصيدة “يا ليل” للشيخ محمد سرور الصبّان، وهي من القصائد الجميلة المؤثرة التي أطرب وأشجى فيها عبد الوهاب، وقد اشتهرت باسم “يا ليل صمتك راحة”.
كما قدم عبد الوهاب أغنية “جبل التوباد” – لحناً وغناءًا-، وهي إحدى قصائد المسرحية الشعرية “قيس وليلى” لأمير الشعراء أحمد شوقي، وهذا الجبل يقع في مدينة الأفلاج (جنوب غرب الرياض) وهو الجبل الذي شهد أشهر قصة حب في التاريخ العربي بين قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى العامرية.
أما كوكب الشرق السيدة/ أم كلثوم فقد غنت من كلمات الأمير الشاعر عبد الله الفيصل قصيدتي: “ثورة الشك”، و”من أجل عينيك”، كما قدمت الأغنية الشهيرة “القلب يعشق كل جميل” من تأليف بيرم التونسي، وفيها تغنت بمكة المكرمة والبيت الحرام، ومنها: “مكة وفيها جبال النور // طالّة على البيت المعمور”. وأيضاً قدمت أغنية “إلى عرفات الله” من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي وتلحين الموسيقار رياض السنباطي ومنها: “إلى عرفات الله ياخير زائر// عليك سلام الله في عرفات”.
جدير بالذكر أن القطبين: عبد الوهاب وأم كلثوم قد قاما بالغناء للملك عبد العزيز – رحمه الله- أثناء زيارته لمصر عام 1946م، حيث غنى له عبد الوهاب من كلمات الشاعر الكبير صالح جودت أغنية “يا رفيع التاج من آل سعود”، بينما غنت له أم كلثوم من كلمات أمير الشعراء أحمد شوقي جزءاً من قصيدة “سلوا قلبى” من ألحان الموسيقار رياض السنباطي.
فيما غنى العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ “سمراء يا حلم الطفولة” من أشعار الأمير عبد الله الفيصل، وكذلك غنى “حبيبتي من تكون” (تُعرف أيضاً بـ “الرفاق حائرون”) من كلمات الأمير الشاعر خالد بن سعود بن عبد العزيز.
أما على مستوى الدراما التليفزيونية والسينمائية، فهناك أسماء بارزة من الممثلين السعوديين ظهروا بالأعمال الفنية المصرة، وفي الأعمال المشتركة (المصرية- السعودية)، ومن أشهرهم الفنانين: محمد حمزة، سعد خضر، علي السبع، فئاد بخش، محمد بخش، خالد سامي، خالد الحربي، د. هاني ناظر، عبد الحميد العوان، وتركي اليوسف.
وعلى مستوى الإنتاج السينمائي والتليفزيوني، هناك أسماء بارزة أنتجت في مصر، مثل: فؤادر جمجوم، ولطفي زيني، وغيرهما، علماً بأن المنتج محمد القزار قد عاش ودرس في مصر بكلية فكتوريا بالإسكندرية ثم اتجه للدراسة بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية، ولكنه تركها ليلتحق بالدفعة الثانية بمعهد السينما بالقاهرة ليكون أول سعودي يدرس بالمعهد الشهير حيث تخرج من قسم الإخراج بالمعهد.

الجانب الاقتصادي
على المستوى الاقتصادي، تخطى حجم التبادل التجارى بين البلدين خمسين مليار دولار، كما أن هناك أكتر من 7 آلاف شركة سعودية فى السوق المصرية تستثمرما يربو على 30 مليار دولار، وذلك من خلال مجلس التنسيق السعودى المصري، والاتفاقات ومذكرات التفاهم بين المؤسسات الحكومية فى كلا البلدين، فضلاً عن الشركة السعودية المصرية للاستثمار.. وهي شركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وهناك استثمارات مليارية للعديد من رجال الأعمال السعوديين الكبار من امثال: الأمير الوليد بن طلال، والشيخ صالح كامل – رحمه الله-، وعائلات: بن لادن، والشربتلي، والشبكشي، والحكير، وعبد اللطيف جميل، والعثيم .. والقائمة تطول.
وأخيراً.. فإن العلاقات السعودية المصرية تتجاوز مستوى العلاقات السياسية، فهى علاقات دم ونسب بين الشعبين ومصير مشترك. حفظ الله المملكة ومصر.

– عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية

خالد محمود علوي

كاتب - عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى