المقالات

مقهى (عبد الحي) …منتدى الأدباء!!

“المقهى” هو المكان الذي يقصده الناس لاحتساء القهوة وشرب الشاي، ولا يعرف إلى الآن من هو مكتـشف فكرة المقاهي، وقد يكون تكريس ظاهرة المقاهي بدأ مع نهاية الدولة العثمانية، كما قال الشاعر السوري “ماهر شرف الدين”.
واشتهرت الكثير من المقاهي بسبب روادها من الأدباء؛ فعلى سبيل المثال قهوة “نجيب محفوظ” في القاهرة، ومقهى “لا فوكيت” في باريس؛ حيث ترى المشاهير من الأدباء والفنانين، ومقهى “أبولدا” في ألمانيا الذي نال شهرته من (نابليون بونابرت) الذي كان من رواده.
في “مكة المكرمة” كان أبناؤها يقضون أوقات فراغهم في المقاهي المنتشرة في أحيائها، ونالت بعض مقاهي مكة شهرتها؛ لأنها كانت ملتقى للأدباء من جيل الروّاد في المملكة، من هذه المقاهي، قهوة (عم صالح عبد الحي) في حارة “المسفلة”؛ ومن أشهر من ارتادها من هؤلاء الرواد هم:
الشاعر (حمزة شحاتة)، من أبرز الشعراء المجددين في الشعر السعودي، وتُعد رسائله إلى أصدقائه نموذجًا للنثر العربي الحديث؛ قال عنه الأمير الشاعر (عبد الله الفيصل): إنه الشاعر الأوَّل في المملكة.
ومن أجمل قصائده، تلك التي نظمها عن مدينة “جدة”، ومن أبياتها:
النهى بين شاطئيك غريق…والهوى فيك حالم ما يفيق
ورؤى الحب في رحابك شتى…يستفز الأسير منها الطليق
في آخر أيامه اعتزل الأدب ورحل إلى مدينة القاهرة، وعاش فيها إلى أن توفاه الله عام 1972م.
ومنهم المؤرخ المكي الأستاذ (أحمد محمد السباعي)، أديب وقاص، وتربوي وضع العديد من المناهج الدراسية، وأسس صحيفة الندوة في ثمانينيات القرن الهجري الماضي، وقت أن كانت تسمى بصحافة الأفراد، لُقب بـ(شيخ المؤرخين السعوديين)، أصدر عددًا من الصحف والمجلات التي تُعد من أوائل الإصدارات في الصحافة السعودية.
مُنح جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1404هـ، واستلمها من يد الملك فهد بن عبد العزيز في حفل أقيم تكريمًا له؛ من أهم مبادراته الاجتماعية والثـقافية: إنشاء أول مسرح سعودي بمفهومه الحديث بحي جرول بمكة، والذي لم يكتب له الانطلاق وقـتها، وبقي مهجورًا لعشرات السنين.
ومن رواد مقهى (عبد الحي) أيضًا الشاعر والإعلامي (طاهر زمخشري) -رحمه الله-، كان يطلق عليه (بابا طاهر)؛ يُعد من جيل الرواد الأوائل الذين أسسوا حراكًا إبداعيًّا، سواءً في المجال الأدبي أو الإعلامي، ومن أهم أعماله الأدبية قصيدته “إلى المروتين”، والتي شذا بها الموسيقار طارق عبد الحكيم.
كان يُقدم برامج الأطفال مع زميله الكاتب والناقد الرياضي الشريف (محمد بن شاهي) -رحمه الله-، ومن أشهر أطفال البرنامج معالي الدكتور (محمد عبده يماني) وزير الإعلام الأسبق -رحمه الله-.
حصل (الزمخشري) على عدد من الجوائز والأوسمة منها: وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة من الجمهورية التونسية عام 1963م، وجائزة الدولة التقديرية السعودية للأدب عام 1404هـ.
ومنهم المؤرخ (محمد حسين زيدان)، الذي كان من فرسان الكلمة، كاتب مقالات لامع “تمر وجمر”، وكذلك “كلمة ونص”، له العديد من البرامج التلفزيونية والإذاعية، ومن أشهر مؤلفاته التي تصل إلى 18 كتابًا؛ كتابه “ذكريات العهود الثلاثة” عام 1988م، وكتاب “المنهج المثالي لكتابة تاريخنا” عام 1978م.
وأختم بالأديب والراوي (عبد السلام بن طاهر الساسي)، كان يحضر مجالس الأدباء والشعراء ويروي عنهم، ثم استفاد من علاقاته بالأدباء والشعراء المكيين، ووضع لهم موسوعة عُرفت باسم “موسوعة الساسي الأدبية”.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى