الثقافيةالمقالات

جدة ..الجديدة

جاءها طفلًا، وعاش فيها مع أسرته جزءًا من مراهقـته وشبابه.. والتحق بمدارسها الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة الملك عبد العزيز ..ثم غادرها إلى بلدة وعاش بها وعمل عشر سنوات مضت ولكنه ظل يتذكر تلك الأيام الجميلة التي عاشها في مدينة جدة.. الحياة في جدة يا شباب شيء لا يوصف أنها مدينة ساحرة ..أجمل ما فيها بحرها .. حواريها القديمة وناسها الطيبين..عطلة نهاية الأسبوع والإجازات كُنا نقضيها في رحلات إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة.. وأحيانًا نذهب إلى وادي فاطمة والجموم؛ حيث المزارع وبرك السباحة التي نقضي فيها لحظات مليئة بالسعادة والفرح..
يتنهَّد صاحبنا متذكرًا تلك الأمسيات السعيدة .. أين تلك الأيام جدة الساحرة المليئة بأماني المراهقة وأحلامها ومرح الشباب وعنفوانه…مرت السنون سريعًا .. تزوج خلالها .. قالت له زوجته يومًا ألا تشتاق لزيارة الأماكن التي عشت فيها وأداء العمرة أو الحج.. قال لها بل إنني أكاد أطير شوقًا إليها وإلى مدينتي الحبيبة جدة.. وأزقتها التي شهدت أيام صباي وشبابي الغض.. أين منى شارع الجامعة بذكرياته القديمة وأشجاره وفرحة اللقاء بالأصحاب المزهرة بأفراح الحب النابضة بطموح الشباب والمليئة بتطلعات المستقبل.. أين ذلك المقهى الصغير الذي يجمعنا بشلة الزملاء ..ما أجمل تلك الأيام …حين وصل مطار الملك عبد العزيز الدولي..استقل وزوجته سيارة تاكسي وخاطب سائقها قائلًا: اذهب بنا إلى فندق الكندرة من فضلك؟ قال له السائق: هل تعرف العنوان؟
أجابه بثـقة نعم.. إنه قريب من شارع المطار القديم في وسط المدينة …قال له السائق بثـقة أكبر عفوًا يا أستاذ لا يوجد الآن فندق بهذا الاسم .. هناك فنادق أخرى كثيرة في نواحٍ عديدة من مدينة جدة .. رد باستغراب يا عزيزي أنا لستُ غريبًا عن هذه المدينة لقد عشت فيها أجمل أيام شبابي .. وغادرتها منذ عشر سنوات فقط …ابتسم السائق وهو يقول مازحًا: معذرة يا سيدي يبدو أنك لم تدرك أن وجه المدينة قد تغيَّر كثيرًا خلال غيابك عنها .. لقد اتسعت وقال له في استسلام: إذًا اذهب بنا إلى فندق آخر سعره مناسب ….في اليوم التالي استأجر سيارة وصحب زوجته ليريها الأماكن التي عاش فيها والجامعة التي درس بها.. فوجئ بالزحام الشديد.. ولم يدرِ إلى أي مكان يمضي.. شعر بصداع .. وقرر أن يعود إلى الفندق ويُعيد السيارة .. وأن يستعين بسيارات الأجرة في تنقلاته.. نظر إلى زوجته في أسى، وهو يقول يبدو أن كثيرًا من الأشياء قد تغيَّرت .. قالت وهي تبتسم: لا شيء يستمر على حاله..قال بحزن..ولكن ليست هذه مدينة جدة التي غادرتها قبل عشر سنوات فقط..
قالت ضاحكة وأنت أيضًا لست ذلك الطفل والشاب الذي عاش في رحابها .. لقد قاربت الأربعين..وقال ألا ليت الشباب يعود يومًا..
قالت ليس الماضي وحده الجميل ولكن المستقبل أجمل .. قال لها: ماذا تقصدين ..؟! قالت دعنا نتجول في أرجاء مدينة جدة اليوم ونتعرف على بعض أماكنها الجديدة .. وبعدها نعرج على مرابع طفولتك لتتذكر أيامك التي عشتها، والناس الذين عرفتهم وأصبح لك معهم ذكريات جميلة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى