المقالات

العلاقات التركية السعودية في ظل المتغيرات الإقليمية

شهدت العلاقات التركية السعودية في الأشهر الأخيرة الماضية نموا وتطورا كبيرا في عهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.
وفرضت التغيرات المتسارعة على الساحة السياسية إعادة النظر في خريطة العلاقات الدبلوماسية داخل منطقة الشرق الأوسط من بين تلك المتغيرات العلاقات العربية- التركية وتحديدا التركية السعودية.
وتحاول دول الشرق الأوسط التنسيق فيما بينها لشراكات جديدة تضمن مصالحها الاستراتيجية واستقرارها الداخلي الأمر الذي أدى إلى ظهور عدد من السياقات لخريطة تقاربات وتفاهمات جديدة بين دول الإقليم في ظل تسارع الأحداث والمتغيرات في المشهد العالمي والإقليمي.
من دون شك هناك عوامل كثيرة ساهمت بالتأكيد في تسريع مفعول التقارب السعودي-التركي خلال الفترة الأخيرة أهمها الظروف الحالية الاستثنائية والمتغيرات الكبيرة على مستوى المنطقة والعالم بالإضافة إلى المصالح المشتركة التي تطلب الكثير من المواقف البراغماتية للاستفادة من الفرص المستقبلية الواعدة.
لقد نجح الرئيس إردوغان بأخذ المبادرة والخطوة الأولى وإدارة دفة الأزمة بالاتجاه العكسي من خلال الزيارة التي قام بها في أبريل 2022 إلى المملكة وفتح بها خط تواصل نشط، أكمله الأمير بن سلمان برده الزيارة في 22 يونيو من نفس العام.
وإذا وضعنا جانبا حقيقة أن العلاقات التاريخية والصلة الإسلامية الوثيقة تفرض من كل بد بقاء البلدين ضمن منظومة إقليمية موحدة، فإن المصالح الحيوية للبلدين والشعبين لها دورها أيضا..
فمن الجانب التركي، لا يخفى على أحد أن الاقتصاد منكمش حاليا في ظل انخفاض قيمة العملة مقابل الدولار، وارتفاع التضخم إلى أكثر من 70 بالمئة ومعه أسعار السلع الغذائية بشكل غير مسبوق..
بالتالي، فإن هّم الرئيس إردوغان بالدرجة الأولى حاليا هو إيجاد مخارج لهذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولن يحدث هذا سريعا إلا عبر تعزيز العلاقات أولا مع الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية التي تعتبر الأقوى والأقدر ماليا بالمحيط الإقليمي..
كما سيساعد التحسن الاقتصادي لتركيا في تحقيق تطلعات الرئيس إردوغان باستعادة الشعبية المطلقة بعد خسارته في الإنتخابات المحلية في مارس الماضي وتفرغ حكومته لمواجهة المخاطر الاستراتيجية التي تحاصرها الفصائل الكردية الانفصالية على حدودها السورية والعراقية.
أما من الناحية السعودية، مما لا شك فيه أن تغير المعادلات الإقليمية والدولية والصراعات والحروب في المنطقة أخرها الحرب الروسية-الأوكرانية، أثقلت كاهل دول المنطقة كلها وعلى رأسها الخليجية وهي بحاجة ماسة للتحالف مع دول لها ثقل وازن في المنطقة مثل تركيا التي لم تتأخر عن دعم المملكة، ووقفت إلى جانبها مع التحالف العربي وساندتها بقوة في “عاصفة الحزم” والدفاع عن الشرعية باليمن.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الطموحات الإيرانية التوسعية في المنطقة التي تمثل مصدر قلق كبير للدول الخليجية عامة، فإن الحاجة للتآزر والتحالف الوثيق بين الدولتين تبرز أكثر لزيادة الضغط على إيران وكبح جماحها في المنطقة وضمان أمن واستقرار المنطقة.
ومع كل هذه المعطيات، يمكن القول أن العلاقات التركية السعودية دخلت بمرحلة جيواستراتيجية جديدة مقوماتها التحالف الإقليمي الأوسع ضد أي مهددات داخلية أو خارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى