المقالات

110 أعوام والدولة السعودية تكسو الكعبة

استظلت مكة المكرمة بظل الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، فكسا الكعبة حين حج عام 1221 بالقز الأحمر الفاخر، ثم كساها حتى عام 1227 بالديباج والقيلان الأسود، وصنعت في زمنه بأيدٍ سعودية في الأراضي السعودية بالأحساء بداري عيسى بن شمس وأحمد الملا .

وعلى يد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز -رحمه الله-، أُسس المنهج السعودي للعناية بالحرمين الشريفين من جميع الجوانب حماية وأمنًا وإعمارًا وتطويرًا وخدمات ورعاية، وتعظيمًا لما عظمه الله ورسوله، وما ذلك إلا رغبة في الخير والمثوبة من الله، وأداء لواجب الولاية التي أنعم الله بها على دولتنا السعودية المباركة بالولاية الشرعية على الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.

فتشرف ملوك المملكة بخدمة قاصدي الديار المقدسة من الحجّاج والزوّار والمعتمرين والركع السجود، وسُخرت كافة جهود الدولة وأنفقت الأموال الطائلة وأضحت رعاية مكة والمدينة والشؤون الإسلامية فيها من أولى أولويات القيادة، ولا أدل على ذلك مما شهدناه من رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لموسم حج هذا العام، والإشراف والمتابعة المباشرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على موسم الحج، وما بذل من الجهود والإنفاق السخي في سبيل تنظيمه ويسره وأمنه.

وقد كان الملك عبد العزيز أول من أنشأ دارًا لصناعة كسوة الكعبة في أجياد بمكة المكرمة 1346، وابتُعث عددًا من الشباب السعودي 1352 لإتقان صناعة الكسوة في الخارج، وإنتاج أول كسوة بأيدٍ سعودية خالصة ذلك العام .

واستمرت العناية السعودية بكسوة الكعبة المشرفة على أيدي الملوك البررة من بعده تعظيمًا لبيت الله الذي عظمه الله وعظمه رسوله؛ حيث قال المصطفى صلى الله عليه وسلم عام الفتح: “.. هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة”.
وكساها -عليه السلام- بالثياب اليمانية المخططة باللون الأبيض والأحمر، وكذلك الخلفاء الراشدون، ثم تتابع حكام المسلمين على كسوتها، كلٌّ على قدر طاقته وظروف عصره .

وكانت الكعبة عبر عصور التاريخ تُكسى بما تيسر، فكسيت بالخصف والليف والجلود والأنطاع والوصائل والبرود والقباطي والديباج والحرير، ‏ومنها ما يجللها ومنها ما يقصر عن ذلك‏، وكساها العامة وكساها النساء ومنهن أم العباس بن عبد المطلب، وكانت تُكسى مرة أو مرتين أو ثلاثًا، وأحيانًا توضع على بعضها البعض، فثقلت فمنع ذلك، وقد كسيت باللون الأبيض والأصفر والأحمر والأخضر، واستقر الأمر أخيرًا على اللون الأسود منذ عهد الخليفة العباسي “أبو العباس” الناصر لدين الله سنة 622 .

‏ومما يُحمد للملك عبد العزيز -رحمه الله- أنه وجّه بالحفاظ على الهوية العامة لكسوة الكعبة ولونها الأسود، وانصب الاهتمام على جودتها وجودة الحرير والمذهبات، وجودة التصميم والتطريز ‏والصنعة‏ والبهاء. فحفظ -يرحمه الله- الصورة الذهنية والروحية للكعبة المشرفة في أذهان المسلمين جيلًا بعد جيل .

واستمرارًا للعناية السعودية بكسوة الكعبة أمر الملك سعود 1382 بمصنع للكسوة في جرول بمكة المكرمة، ثم أمر الفيصل 1392 بإنشاء مصنع كسوة الكعبة المشرفة المعاصر في أم الجود بمكة، وأنتج هذا المصنع أول كسوة له سنة 1395، وافتتحه الملك خالد بعد تطويره سنة 1397، وأمر الملك فهد بتطوير تجهيزاته 1410، وطُور مبناه ورُمم في عهده 1415 حتى أصبح معلمًا يزأر في مكة المكرمة.
‏وأمر الملك عبدالله بتطوير الأنظمة الإلكترونية للمصنع وتجهيزاته، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمر بتغيير مسمى المصنع إلى مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، وفاءً للمؤسس مؤسس أول مصنع لكسوة الكعبة في مكة. كما أضيف إلى كسوة الكعبة في عهده تطريز الركن اليماني في الثوب بشريط رأسي مُذهب يدل عليه، ‏ودعم المصنع وارتقى بنظامه وترتيبات استبدال الكسوة .

‏لقد كانت مراسم إبدال كسوة الكعبة التي شاهدها العالم صبيحة اليوم غرة المحرم 1446‏هـ شاهدًا على أفخر وأغلى كسوة لبيت الله تبلغ تكلفتها نحو 20,000,000 ريال سعودي، وقد صنعت من أفخر أنواع الحرير، وطُرزت بخيوط الفضة والفضة المذهبة، وصممت على أجمل طراز، وحملت ذكر الله وآياته، ‏وأرخت لصنعتها وإهدائها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لبيت الله العتيق .
‏كما دلت المراسم على استبدال الكسوة في مهابة ووقار وإجلال لبيت الله، وفي ظل أمن محكم وتنظيم دقيق، وإشراف من الجهات المسؤولة في حضور سدنة بيت الله الحرام من آل الشيبي، ‏وفي مشهد روحاني عظيم، يشهده الحجّاج والعمّار وعامة المسلمين في أصقاع الأرض .

‏ومناسبات الخير تترى من نجاح لموسم الحج إلى كسوة للكعبة المشرفة وتعظيم لما عظمه الله ورسوله، وارتقاء في مدارج النماء والتطور، نستبشر ونستشرف عامًا جديدًا بكل خير في ظل قيادتنا الرشيدة ودولتنا المباركة.

أ.د. عبدالله حسين الشريف

أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ مكة المكرمة - ‏بجامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى