المقالات

قصة رائعة (شوقي)… سلوا كؤوس الطلا!!

توفي أمير الشعراء المصري “أحمد شوقي” في ليلة الجمعة 14 من أكتوبر عام 1932م، فعمَّت الأحزان سائر الأوطان العربية، كما ذكر ذلك الأديب والشاعر المصري “طاهر الطناحي”، أحد الأوائل الذين طوّعوا الصحافة للأدب في كتابه بعنوان: “الساعات الأخيرة لطائفة من أعلام الشرق والغرب” الذي قام بإصداره في عام 1939م.
اختارت “أم كلثوم” سيدة الغناء العربي بعد وفاة “شوقي” أن تغني قصيدته الشهيرة بعنوان: “سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها”، والتي كانت أم كلثوم مُلهمته فيها.
وحول قصة هذه القصيدة؛ يقال إنه في سنة 1931م، دعا أمير الشعراء أحمد شوقي سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم لحفل أقامه في قصره الذي عاش فيه، والذي أطلق عليه اسم (كرمة بن هانئ) تيمنًا بالشاعر الحسن بن هانئ بن عبد الأول المعروف بأبي نواس، والذي بناه بعد عودته من المنفى بإسبانيا، غنَّت ليلتها أم كلثوم رائعتها الشهيرة بعنوان: “إللي حبك يا هناه”، لأحد عمالقة الموسيقى العربية الشيخ زكريا أحمد، أعجب أحمد شوقي بصوت السيدة أم كلثوم وأدائها الرائع؛ فقام من مكانه وقدّم لها كأسًا من الشراب رمزًا للتحية والإعجاب، أُحرجت أم كلثوم وتأدبًا منها لهذا الشاعر الكبير، أمسكت الكأس ورفعته إلى فمها دون أن تلمس شفتاها ما بي الكأس من شراب، ثم قامت بإعادة الكأس إلى مكانه لأنها لا تُقارع الخمرة، وقد لاحظ ذلك الشاعر أحمد شوقي. وفي اليوم التالي تناول أحمد شوقي أم كلثوم أبياتًا من الشعر في قصيدة نظمها ومكتوبة بخط يده يقول في بعض أبياتها:
سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها: واستخبروا الراح هل مست ثناياها
بانت على الروض تسقيني بصافية: لا للسلاف ولا للورد رياها
ما ضر لو جعلت كأسي مراشفها: ولو سقتني بصاف من حمياها
وذكرت المصادر أن شوقي صرّح باسم أم كلثوم في قصيدته تلك مرتين، أولاهما حين قال: “سل أم كلثوم من بالشوق طارحها”، والذي غنته أم كلثوم بعد تعديل البيت إلى: “حمامة الأيك من بالشوق طارحها”، والمرة الثانية في البيت الأخير من القصيدة حين قال شوقي: “يا أم كلثوم من بالشوق أيام الهوى ذهبت”، والذي غنّته أم كلثوم بعد تعديله: “يا جارة الأيك أيام الهوى ذهبت: كالحلم آها لأيام الهوى آها”.
قرأت أم كلثوم هذه الأبيات وحفظتها في مكتبتها ولم تجرؤ على غنائها إلا في منتصف الأربعينيات بعد وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي، فدفعتها إلى الملحن الكبير الأستاذ رياض السنباطي، واستغرق تلحين هذه القصيدة زمنًا طويلًا، فقد استلمها السنباطي في عام 1932م، ولم ينهِ تلحينها إلا بعد سنوات من استلامها، ليصنع منها تحفة غنائية رائعة، وقد شدت أم كلثوم بهذه القصيدة في عام 1946م، لتكون جزءًا من وجدان الناس وذاكرتهم يترنمون بها، ويطربون لها في كل وقت وحين.
رحم الله عُظماء الفن والأدب!

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى