المقالات

لا تُجَابَه القوَّة إلَّا بالقُوَّة… المملكة تضرِب مثلًا يُحتذى به في التدخل الدولي الإنساني لإنقاذ أرواح الفلسطينيين

التدخل الدولي الإنساني ومشروعية استعمال القوة في القانون الدولي هو موضوع حيوي ومُعقد يجمع بين المبادئ القانونية والأخلاقية والسياسية، وتعتبر مبادرة المملكة العربية السعودية لكسر الحصار على غزة من خلال إسقاط جوي للمساعدات الغذائية من أبرز صور هذا النوع من التدخلات الإنسانية، وهو ما يعكس التزام المملكة بقيم القانون الدولي الإنساني ومبادئه.
فلقد ظلت مسألة التدخل الإنساني واحدة من أكثر القضايا جدلًا وتعقيدًا في العلاقات الدولية، فمنذ نشأة القانون الدولي الإنساني تعتبر مشروعية استعمال القوة لتحقيق أهداف إنسانية من المواضيع التي تُثير الكثير من التساؤلات والنقاشات بين الدول والمنظمات الدولية، فالقانون الدولي الإنساني والمعروف أيضًا “بقانون النزاعات المسلحة، أو قانون الحرب” ينظم السلوك أثناء النزاعات المسلحة، ويهدف إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القـتال، مثل المدنيين، والحد من وسائل وأساليب الحرب، وتجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي الإنساني يتضمن العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي تهدف إلى حماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة، ومن أبرز هذه الاتفاقيات اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977، التي تنص على ضرورة احترام وحماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية لهم دون أي تمييز. فمن حيث المبدأ، يفرض القانون الدولي الإنساني على الأطراف المتحاربة التزامات لحماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة للمناطق المحاصرة أو المحتاجة إلا أن تطبيق هذه المبادئ يمكن أن يكون معقدًا عندما تعترضه اعتبارات سياسية وأمنية كما هو الحال في الصراع بين سلطات الاحتلال والشعب الفلسطيني.
وينص ميثاق الأمم المتحدة، كوثيقة أساسية في القانون الدولي، في مادته الثانية على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومع ذلك، فإنه يسمح باستخدام القوة في حالات محددة، منها: الدفاع عن النفس أو بناءً على قرار من مجلس الأمن، وتبعًا لهذه النصوص، يمكن النظر إلى التدخل الإنساني باعتباره استثناءً لمبدأ عدم التدخل، شريطة أن يكون هدفه حماية المدنيين ومنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما هو الحال في قطاع غزة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية منذ بدء الحصار على الإقليم عام 2007م، مما يجعل التدخل الإنساني ضرورة ملحة لإنقاذ أرواح المدنيين.
وانطلاقًا من هذا الميثاق وتلك المبادئ الدولية يمكن اعتبار المبادرة السعودية لكسر حصار الكيان الغاشم على غزة – التي شهدت منذ سنوات حصارًا من سلطات الاحتلال خانقًا أدى إلى تدهور الوضع الإنساني فيه بشكل كبير، مما دفع المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ خطوات جريئة لتقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين – تطبيقًا عمليًا ظهر جليًا لتطبيق هذا الميثاق وتلك المبادئ؛ حيث حرصت المملكة العربية السعودية على ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها وتخفيف معاناتهم لتؤكد للجميع التزامها بتطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني بشكل غير منحاز ودون تمييز بلا إفراط أو تفريط، مستندةً إلى مبدأ الإنسانية الذي يشكل جوهر القانون الدولي الإنساني، وهذا التدخل الإنساني السعودي إنما جاء بعد نداءات عديدة من المنظمات الدولية والإنسانية التي حذّرت من تدهور الوضع في غزة ومن حدوث كارثة إنسانية، وهو ما يعكس ضرورة التحرك الدولي السريع لرفع المعاناة عن المدنيين في الأزمات الإنسانية.
في الختام، تعكس مبادرة المملكة العربية السعودية لكسر الحصار على غزة من خلال إسقاط المساعدات الغذائية جوًا تحديًا كبيرًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني واختبارًا لقدرة المجتمع الدولي على التوفيق بين الاعتبارات الإنسانية والسياسية والأمنية، وتُشكل مثالًا حيًا على كيفية استخدام هذه الأداة بشكل فعال ومشروع، وبينما قد تُثير مثل هذه التدخلات الجدل حول مشروعية استخدام القوة، إلا أنها تظل أداة حيوية لإنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في الحالات الطارئة ليبقى تعزيز التعاون الدولي وتفعيل آليات التدخل الإنساني السلمي أمرًا ضروريًا لضمان حماية المدنيين وتخفيف معاناتهم، وفقًا لما تقتضيه العدالة والإنسانية، مع احترام السيادة الوطنية والالتزامات الدولية.
حفظ الله المملكة وقادتها وشعبها، وأدام عزها ومجدها ووحدتها، وجعلها ذخرًا للإسلام والمسلمين.

– أستاذ القانون الدولي – جامعة جدة
‏@Dr_MSALANSARI

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى