تُعدُّ الكلمة أحد عوامل التأثير في الطرف الآخر الموجه إليه الخطاب، ولها الأثر الكبير في إيصال الرسالة للمتلقي، فربما وقعت كلمة على أذن المستمع؛ فأحدثت تأثيرًا قويًا يكون أكثر فتكًا من أي وسيلة أخرى، وبالتالي فإن الإنسان أصبح معنيًّا باختيار الكلمة اللينة أو اللفظ الجميل الذي يحدث أثرًا إيجابيًا في الطرف المقابل، ويخاطب المشاعر والأحاسيس بكلمات ذات إيحاء إيجابي حتى يستطيع الإنسان إيصال رسالته بألفاظ واضحة ومحددة؛ بحيث تحقق الهدف التي من أجله نشأ الاتصال بين أطراف العملية التواصلية.
إن التأثير باستخدام تلك القوة اللفظية أو ما يطلق عليها القوة الناعمة دون استخدام القوة الصلبة المباشرة، مهمٌ جدًا في عملية التخاطب الإنساني، ولكي يستطيع الإنسان أن يوظف تلك القوة الناعمة؛ ينبغي أن تكون الرسالة واضحة ولا غموض فيها، كما ينبغي أن تكون مباشرة بعيدة عن بعض الألفاظ الغامضة في معانيها؛ حتى لا تشكل صعوبة في فهمها من الطرف الآخر.
فالله سبحانه وتعالى يطلب من نبييه موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولًا لينًا لعلّه يرجع ويتوب، فيقول: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (سورة طه الآية 44)؛ لأن الله -جل في علاه- يعلم أثر تلك الكلمة في تحقيق الهداية؛ لعل الظالم يعود لرشده، ويرجع عن غيّه، ويعود لصوابه.
ونجد في السنة النبوية كذلك أثرًا لهذا التأثير الذي تتركه الكلمة بما معناه “أن رُبّ كلمة لا يُلقى لها بالًا تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفًا”. فهذا الأثر واضح من ضرر الكلمة التي تعود على صاحبها وتقذف به في النار؛ إذ تؤثر سلبًا على مختلف الجوانب لديه.
فالكلمة اللينة مفتاح العلاقات المتميزة مع الآخرين، وهي العنوان الرئيس لأي حوار هادف وناجح، وقد أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: “الكلمةُ الطَّيِّبةُ صدَقةٌ”، وهي مفتاح لكل خير، ودافعة لكل شر، قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (سورة فصلت الآية 34)، وهي التي تبعث الود والمحبة وتقوي التواصل بين الناس، وتؤلف القلوب من خلال حسن اختيار الكلمات التي توصل للهدف بعيدًا عن الألفاظ التي تؤثر سلبًا على التواصل، وتزيد من التباعد بين الطرفين.
فهذه الكلمة التي يتناقلها الطرفان فيما بينهم تعزز تلك العلاقات الاجتماعية إذا أدرك الإنسان أهمية انتقاء الكلمات التي تبعث الأمل، وتشجع على حسن التواصل، وتُحفز الطرف الآخر على الإبداع والإنصات والاستماع وعدم مقاطعة الحديث؛ لأن ذلك يجعل الحديث مثمرًا، ويؤثر إيجابًا على الحوار والتفاعل الإيجابي بين الأطراف، لا سيما إذا صاحب الكلمة الوضوح في معانيها والابتعاد عن الغموض الذي يقطع الاتصال ويؤثر عليه.
فالكلمة اللينة تطرق أبواب القلوب برفق، وتحقق الاستجابة التي تصل للنفس البشرية، فتتحقق أهداف الاتصال إذا كان الإنسان لديه وعي باختيار الألفاظ والكلمات التي تلامس المشاعر والأحاسيس حتى يستطيع أن يصنع أثرًا إيجابيًا، فذلك لا يتحقق إلا من خلال إنسان يدرك أهمية الكلمة وأثرها.
وعلى النقيض من الكلمة الصلبة التي ابتعدت عن المشاعر، وألقيت على عواهنها دون إحساس بأثرها على المتلقي بما تتركه من زيادة الفجوة بين أطراف التواصل، وإحداث القطيعة والتنافر.
إن الكلمة مسؤولية عظيمة وأمانة تحمّلها الإنسان في التأثير على الآخرين، فضلًا عن مراعاة السياق باختيار الكلمات المناسبة للموقف، التي تدفع الإنسان للعمل الخيري والتعاون في سبيل تحقيق علاقات اجتماعية تعزز التواصل بين الناس، واختيار الكلمات اللينة الرقيقة ذات الأثر الإيجابي على نفس المتلقي ومشاعره، وبذلك يتحقق النجاح في العملية التواصلية، ويحل الوئام والوفاق بين الناس، فيسمون بعلاقاتهم من كل كدرٍ يشوبها، ويبلغ الإنسان مبلغًا متميزًا في حسن التعامل وأسلوب التأثير.
0