لا يزال في الذاكرة حين شرفني منذ سنوات معالي وزير الشؤون الدينية في إندونيسيا بزيارة رسمية، وكان ذلك وقت تشرفي بقيادة جامعة أم القرى، وكان ممَّا قاله: «إنني سعيد جدًّا بزيارةِ هذه الجامعة التي تخرج منها عدد كبير من علماء إندونيسيا وقادتها». أخبرني أن سلفه في الوزارةِ من خريجيها، وأن من خريجيها أيضًا رئيس جمعيةِ نهضةِ العلماء الإندونيسية التي ينتمي إليها أربعون مليون مسلم!
وقال: «نحن حريصون أن يتلقى أبناؤنا علوم الشريعةِ من منبعِها الأصلي».
هذه الكلمات هي واحدة من مصاديقِ دعاءِ سيدنا إبراهيم -عليه السلام-: «فاجعل أفئدة من الناسِ تهوِي إليهِم».
وهي أيضًا نتيجة لطبيعةِ هذه البلادِ المباركة التي تضم الحرمين الشريفينِ (مكة) و(المدينة)؛ حيث تنزل الوحي، وبلغ المصطفى صلى الله عليه وسلم رسالة ربه، وتحرك على أرضها أطهـر جيل الصحابة -رضوان الله عليهم-.
إنها ثمرة منطقية لما تبذله المملكة بحكم مكانتها من جهودٍ رياديةٍ في خدمة الإسلام والمسلمين، سواء من جاءها مُتعبدًا أو مُتعلمًا أو عاملًا، أم من جاء خيرها إليه دعوة أو إغاثة أو نصرة.
ولعل من أبرزِ هذه الجهودِ السعودية احتضان المملكة للآلافِ من طلابِ المنح، بعضهم يدرس دراسة أكاديمية تامة، وبعضهم يجيء في دورات تدريبية لغوية أو شرعية أو علمية. وهؤلاء الآلاف جميعًا يمكن أن يكونوا رسلًا لهذا الدينِ العظيم، ورسلًا أيضًا للمملكة، يوضحون حقيقتها وينفون عنها شائعات الحاقدين والكائدين.
لقد استمعت يومًا إلى أحد هؤلاء وهو يقول: «لا أدري أي عمل صالح عملت فجعل الله من جزائي أن أتعلم في مكة!».
لا يزال في الذاكرة وأنا أستمع مع نفر من المسلمين في خطبة الجمعة بمدينة لندن قبل أشهر إلى فضيلة الشيخ الدكتور محمد فايد الداعية الإسلامي عضو هيئة الفتوى في أوروبا، وهو يشيد بدور المملكة الريادي في العالم وكيف تمد يد العون للمنكوبين والمتضررين، فضيلته أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
هذا هو شعورهم الذي يجيئون به، الحب، والولاء، والفرح، بهذه البلاد المباركة وقيادتها وأهلها، وخصوصًا مكة والمدينة، فما أجدرنا أن نستغل هذه الفرصة، وأن نستنبت في هذه القلوبِ الغضة المحبة المعتقد الصحيح، والعلم المحرر، والولاء لقبلةِ المسلمين بلادنا المباركة: المملكة العربية السعودية.
إن الخطوة التي أخذتها وزارة التعليم أخيرًا والمخصصة للطلاب غير السعوديين، والتي تتيح لهم فرصة تلقي العلم في المؤسسات التعليمية السعودية إنما تأتي حرصًا من الدولة -أعزها الله- بأهمية التعليم وتوسيع المدارك الفكرية لهؤلاء الطلاب.
ولكي يكون هؤلاء من سفرائنا حقًّا في بلدانهم، ورسلنا في أوطانهم فلا بد من أمرين مهمين:
أولهما: حسن رعايتهم، والقيام بشؤونهم، وتيسير معاملاتهم، فهم غرباء عن أوطانهم، قد جاؤوا إلى بلدٍ يعتبرونه قبلة المسلمين، جاؤوا محبين للمملكة، راغبين في اقتباس العلم من علمائها ومؤسساتها. فحري بكل من قام على شأن من شؤونهم أن يرعاهم ويذلل لهم كل صعب.
وثانيهما: إجادة تعليمهم وتوجيههم، وتكثيف البرامج التي تضمن سلامة توجههم، وتأهيلهم للقيام بالمأمول منهم في بلدانهم.
إننا أولى من غيرنا باحتضان طلبة العلم من أبناء المسلمين، وهو واجب المؤسساتِ المختصةِ في ظل الدعم الكامل الذي تلقاه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان-حفظهما الله ونصرهما-.
احسنت معالي الدكتور بكري في طرح هذا الموضوع الذي هو غاية في الأهمية فطلاب المنح المسلمين الذين يتعلمون في الجامعات والمعاهد السعودية 🇸🇦 هم بالفعل سفراء للمملكة اعزها الله في بلدانهم وقد لمست اثناء زياراتي لكثير من الدول الاسلامية – ومنها مثلاً أندونيسيا – الدور الاجتماعي والديني الذي يقوم به هؤلاء الطلبة عند عودتهم الى بلدانهم من خلال قيامهم على المراكز الدينية كما لمست امتنانهم للمملكة وارتباطهم الديني والعلمي بمؤسساتها التعليمية فهنيئاً للمملكة العربية السعودية هذه المكانة في قلوب المسلمين ونسأل الله ان يزيدها تمكيناً ورفعة وأن يثيب قيادة المملكة على ما تقدمه للاسلام والمسلمين وشكرا لكم معالي الدكتور بكري عساس على طرح الموضوع