[يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي] صدق الله العظيم
فجعت قبيلة بني الحارث عامة وقبيلة الحسين خاصة وأهالي قرية مسيكة الغراء على وجه الخصوص بفقد رجلٍ من رجالها المخلصين ورمز من رموزها الواعين ومصلح من مصلحيها الماهرين في القدرة على صناعة الروابط الاجتماعية الناجحة. إنه أخي عواض بن سعيد بن صالح الحارثي والذي وافاه القدر في يوم الثلاثاء 03-01-1446 هـ الموافق 09-07-2024 م عن عمر يناهز السبعين.
وفي غمرة اختلاط المشاعر وتوارد الأفكار وتحت تأثير الألم والحزن والأسى الذي أحدثه المصاب الجلل الذي حل بنا في فقد شقيقنا “عواض” لست أدري ماذا عساي أن أكتب عن شقيقي وحبيبي وقرة عيني لكنني أعلم أنه رجل قبيلة من الطراز الرفيع له من المعارف القيمة ماجعله يتبوى مركز الصدارة بين قومة وزملاءة ومعارفه من القبائل في وطننا العزيز. أذ لم يستقر به الحال في مسقط رأسه في ميسان بل تنقل في عدة مناطق من مملكتنا الحبيبة لخدمة الشؤون العسكرية وكان يرحمه الله في كل موقع من مواقع العمل يضع بصمة تُعرف له ويشهد بها الاخرون وآنتها به المقر في منظقة تبوك في المدينة العسكرية ولان منسوبي الجيش هناك من عدة قبائل مجاورة لقبيلة بني الحارث وغير مجاورة فقد ألتف حوله أولئك الرجال الشجعان وكانت صفاته تؤهله لاستلام القيادة والريادة يحيلون له مايرغبون من تنظيم اللقاءات ويستدعونه لحل المشكلات التي تحصل بين الاصدقاء ورفاق العمل وكان يرحمه الله عنده الرأي السديد والحل المفيد.
عرفه الناس فأحبوه ووجدوا فيه ضالتهم فقدروه وكان يشار إليه بالبنان لأنه صاحب خطٌ واحد مستقيم لا اعوجاج فيه ولا غرابةٌ في ذلك. فقد تربى في أسرة عالية غالية ذات أُرومة مجيدة في أوكار أحرارها تربى وترعرع على أحسن القيم وتلقى فيها تعاليم الأسلام الحنيف في أسرة ذات مجدٍ تليد وأحتضنه المجد كما أحتضن أباءه وأجداده.
وفي حياته المتصلة بمجتمعه يرحمه الله لم يكن شحيحًا بالكلمة الحسنة ولم يبخل في إبدائها. يمدح بعقلانية، ويشكر باقتدار ويدعو الله لمن يحب، ولا يقول إلا خيراً أيمانًا منه بأن الكلمة الطيبة صدقة، وهي مفتاح للقلوب، يجبر الخواطر، ويراعي المشاعر، وينتقي كلماته، ويتلطف في أفعالة، ولا يلوم أحدًا، ويقول للناس حُسنًا. عرفه الناس وخبروه بما وهبه الله من معطيات شخصية تكاملت في ذاته وواكبها مهارات معرفيه في صفات الاخرين. أكتمل أيمانه بحسن أخلاقه ألقيت عليه المهابة وكُسي بالوقار، بسيط متواضع يخفي وراء بساطته وتواضعه ذكاءً وموهبة، تحف به مشاعر الوفاء وصادق المودة ممن عرفوه. شارك في مراسم دفنه والتعزية فيه عدد كبير من محبيه من مناطق مختلفة وقبائل متعددة. وما ذلك الا لأن من عرفه من الناس وعايشه وسار معه وأستأنس بصحبته تأسرهم فيه شخصيته الفذة وتفلت عزيمته لايسعهم إلا الأعتزاز والتمجيد لمواقفه الجادة وصفاته المحمودة.
فهو رجلٌ كما تعني هذه الكلمة. فالرجولة ليست صفة مباحةٌ لكل من يستهويه الاتصاف بها ولكنها استعداد وتهيؤ فهي استعداد لا غنى لها عن مرجعية الأصل لهذا طالما حرص العربي الأصيل على أنتقاء خؤولة أبناءة وهي تهيؤ تقوى بالمران على ممارساتها وتستحث بالتربية وهي صفة ينتزعها الرجل من الحياة انتزاعًا ويكتسبها من المواقف لا غنى لها عن قلب شجاع وضمير حي وعقل متوهج متقد. فهي مطمح لكنها ليست مباحة لمن لا يتقن صنعتها ولا يجيدُ فنها ومن ليس داخله رجلٌ بطلٌ. وعواض يرحمه الله تمكن من الرجولة وتربع سنامها حق له الأتصاف بها.
تجرد من هوى النفس وخصوصيات الذات في سبيل أداء الواجب بأخلاصٍ على نحوٍ رفع به مقامه من مجرد إنسان يستدعي الأضواء الى رجل يقدح زنده متوهجاً يضيء لمن حوله فهو ضياء لا تنطفي مشكاته يرحمه الله. ربما تكون شهادتي لصالح شقيقي عواض مجروحة بحكم الأخوة والمحبة والمودة وصادق التواصل المتميز الذي يربطني به لكنني لا أعالج تاريخ رجلٍ بمجرد الأنطباع البحت وإنما من واقع معالجة ذهنية لمواقف ومقاييس تحتكم الى معايير تجريبية لاتخون الموضوعية ولا تجنح عن الحقيقة. وفوق هذا كله كان يرحمه الله يكتنز خصائص العربي القح من نقاء في الفطرة وحدة في الفكر، ونفاذ في البصيرة، وثقة في النفس، وشموخ في الهمة. تعرفه فلا يتجاوزه الاعجاب وتتعامل معه فتجده بسيطًا وديعًا هادئًا يحسن الإنصات.
رحم الله أبا رامي ستظل صورته إنطباعًا مطبوعًا نتلمسها في لوحة العائلة حيث غرس الأمل والرجاء على طريق من حوله بأكمال رسم السعادة والابتسامة على وجوه محبيه. ما كان يبهرني فيه تلك السجايا التي تشتمل عليها نفس عواض يرحمه الله من حلمه، وصبره، واحتماله، وتواضعه، وايثاره، وصدقه، واخلاصه، سمح الاخلاق، وواسع الامل، وكبير الهمة، رجل المكارم، وعطاؤه عطاء الأبطال، ومواقفه مواقف الشجعان، وأراءه أراء الحكماء صائبة. خلق ليكون أنسانًا وعاش ليكون مهذبًا وتربى ليكون نبيلاً، له من الصفات أسماها ومن القيم أعلاها رحمه الله.
وأني لعلى يقين بمشيئة الله أن هذه الصفات والقيم العالية المجيدة ماكان منها فطري وماكان مكتسباً سنجدها في امتداده.. رامي، وسعد، وسعيد.. يحملون الراية من بعده بثقة واقتدار. اذ كان معهم نعم الأخ ونعم الصديق ونعم الصاحب ونعم المربي ونعم الأب. حق لهم أن يتربعوا على مراكب الزهو والفخر والاعتزاز سعيدين بما أنجز والدهم ومعلمهم فرحين بمشاعر الوفاء والصدق والمحبة ممن عرفوه وأحبوه.
رحم الله عواض رحمة واسعة وأسعدنا بلقاءه في جنات النعيم مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين أنه على كل شيء قدير.
ابو ياسر أجدت وأفدت وماقلت في شقيقك إلا ماكان حقاًبل وأن فيه من الخصال والسمات ماكان أكثر ٠٠٠ رحمك الله يا أبا رامي وغفرلك ووسع نزلك وعوضك في مآثرك وأفعالك الحميدة بالفردوس الأعلى من الجنة ٠٠ وإنا على فاقك لمحزونون ٠٠ والعوض في من خلفت بإذن الله تعالى يكون رامي وإخوانه رموزا يحتلون مكانتك اللتي فرغت بين اهلك وقبيلتك واصدقائك الكثر ٠٠٠ إنا لله وإنا إليه راجعون ٠
صح لسانك أبا ياسر، أبدعت نثرا ..
رثاء معبر عما يدور في صدور الكثير منا..
واقتبس منك كلامك الرائع “.. عرفه الناس فأحبوه ..”
نعم أحببناه فهو صاحب الخلق الرفيع والقلب الطيب والكرم ، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته..
عبدالعزيز بن عيضه بن غليون