المقالات

الاختبار الشامل والحلول العاجلة

أدركت الجامعات الأمريكية عُقم الاختبار الشامل، وأدركت خلل الشامل، واتجهت للحكم على الطالب من خلال بحوثه المنشورة ونشاطه في تخصصه؛ بل إن من المُتبع هناك إعفاء الطالب المشارك في مؤتمر علمي من الاختبار الشامل، وقد سبقت أوروبا لهذا الإجراء؛ فرفضت التعامل مع الاختبار الشامل أساسًا، واكتفت ببحوث محكّمة.
عندنا الوضع يختلف؛ حيث يعطى طلاب وطالبات الدراسات العُليا قائمة موضوعات طويلة وعامة وبدون مراجع في أكثر الجامعات، وعليهم أن يحتطبوا بليل ويجمعوا كل شيء، ويقرأوا أي كتاب، بلا إرشاد ولا تحديد، ويقرأوا الكتب والمذكرات الكثيرة التي تحوي مئات الصفحات، ويمكثوا في القراءة والتلخيص والجمع، ويتركوا الأهل والأقارب ويتركوا كل شيء؛ إضافةً للدعم القوي من الأمهات مجتهدات في الدعاء، والأبناء في حزن وحرمان من الحنان الأبوي، فملامح الوالد «طالب الشامل» بدأت تُنسى مع طولِ الغياب، وربما تغيَّرت الملامح مع الشدة والعناء، لأنهم منغمسون في المذاكرة حاملين الهم لمدة عام كامل.
فهل من العدل أن يُحرم بعض الطلاب والطالبات المتميزين من الدكتوراة بسبب الاختبار الشامل؟ والذي لا تعمل به إلا بعض الجامعات وبطريقة سهلة وسلسة ومقننة، وعناصر واضحة، وكتب محددة؛ بينما النظام الأوروبي لا يشترطه أصلًا؛ إذ يكفي أن ينجز الطالب بحثه ويجتاز الاختبارات المنهجية؛ كي يُمنح الدكتوراة.
ثم ألا يكفي الإجراءات الطويلة التي يمرون بها للالتحاق ببرنامج الدكتوراة من (امتياز في الماجستير، مقابلة شخصية، اختبار قياس، اختبار تحريري، فصل منهجي مكوّن من ست مواد واجتيازها، وبحوث، وتكاليف، وحضور، ومشاركة، وتدريس)، ألا يكفي كل هذا للثقة في قدرات الطالب وتأهله لمرحلة الدكتوراة؟!!
ثم إنهم يستحقون الاجتياز من غير الشامل؛ وإلا لما اجتازوا مرحلة الماجستير أصلًا؟ بل إن كل متطلبات الدكتوراة أنهوها، أليست كل هذه شواهد على القدرة على الاجتياز؟ بل إن معظم طلاب وطالبات الدراسات العُليا شاركوا ببحوث وأوراق عمل في مؤتمرات؛ أليست هي الأولى في المفاضلة والتقييم؟
ثم ما هي معايير قبول الطالب والتي يُحكم على الطالب من خلالها؟ ليس هناك معايير واضحة يقيّم الطالب على أساسها.
السؤال الأهم: هل يُنظر إلى تاريخ الطالب ومنجزاته؟ إن كان على التاريخ؛ فمعظم الدفعات لهم تاريخ مشرّف في تخصصاتهم، وقدّموا بحوثًا علمية في المجلات والمؤتمرات، وفازت بعض بحوثهم على مستوى الجامعات في الداخل والخارج، مؤلم جدًا أن تختزل سنوات بحثك وجهدك وتعبك في ساعات محدودة، مؤلم جدًا أن يُحكم على الطلاب والطالبات بمقابلة شخصية مدتها عشر دقائق! وأسئلة عاجلة وهم في جو متوتر ومشحون، مؤلم أن يُنسى كل جهودهم بسبب نسيانهم معلومة لم تسعفهم الذاكرة لاسترجاعها.
إننا لا بد أن نفكر في إلغائه كما فكرت جامعات أوروبا وبعض جامعات أمريكا، وها هي دول الخليج تحذو حذوهم والكويت خير مثال؛ إذن، فالاختبار الشامل يضيّع مستقبل وحلم الطلاب والطالبات بعد أن ضيّع جهدهم ووقتهم وراحتهم وسنة كاملة من عمرهم، كم من ضحية لهذا الاختبار الفاشل الذي ثبت عدم نجاحه في جامعات العالم أجمع؟ كم من مستحق كان الأول على الدفعة وحُرِم من الدكتوراة بسببه؟ كم من عقلية ذكية وعبقرية حُرمت لأنها لم تعتد على الحفظ الأصم؟ وأنا متفائل بوزارة التعليم وبمعالي وزير التعليم الإداري الناجح الحريص على الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في الأنظمة التعليمية، أن يلغي الاختبار الشامل في جامعاتنا.
إن الاختبار الشامل صار مقصلة تُنحر عليها أحلام الدارسين في الدراسات العليا، الشامل لدينا اختبار أسيء استخدامه وبان خطره على مستقبل بعضنا، وضيّع الوقت والعمر والطاقات الغالية.
فطلاب الدراسات العُليا يستحقون الاجتياز؛ لأنهم بذلوا الجد والاجتهاد، وسهروا الليالي، ومعظمهم من النخب المتميزة علمًا وعملًا.
إن نظام الاختبار الشامل صعب ومُعقد جدًا، وهم ودمار شامل يؤرق الجميع، ويجعل المستقبل مظلمًا أمام أعين رجال المستقبل، ويشتت الجهود، ويقضي على التميز والإبداع، ويحرم الكثير من الناجحين والمبدعين من الوصول لأماكن يخدمون فيها الوطن.
الرسوب في الشامل يُعتبر كارثة ويفوت كل فرص المستقبل، وعندما يمنح الطلاب فرصة ثانية وأخيرة لإعادة الاختبار ، والذي لن يكون إلا بعد سنة وهذا وقت متأخر جدًا يضر بالطلاب ويسبب لهم الإحباط، وهذا تعب آخر وانتظار آخر، والمصيبة العظمى أن بعض الجامعات تضع أسئلة الاختبار الثاني أصعب من الأول.
والحل المناسب هو إلغاء الشامل نهائيًا، وإلغاء نتيجته، والاكتفاء بالمقررات المنهجية والرسالة العلمية، وهو المنهج المتبع في أغلب جامعات العالم؛ خاصة وأن مطلوب الجامعة قد حصل وهو تحقق الاستفادة، ولقد استفاد الطلاب والطالبات مما قرأوا ودرسوا وكتبوا واستوعبوا الكثير والكثير من الكتب والمراجع.
وأمل طلاب الدراسات العليا في الله ثم في معالي وزير التعليم الحريص على مصلحة أبناء وبنات الوطن، والمهتم بالارتقاء بالعملية التعليمية تفهم معانتهم والبت في الأمر سريعًا، وأملنا في أن تسعدهم بإلغاء الشامل من الجامعات؛ أسوة بجامعات أوروبا وبعض جامعات أمريكا وبعض دول الخليج، والاكتفاء بكل الاختبارات التي مروا بها، واستبدال الاختبار بنشر أبحاث للطلاب في مجلات علمية، أو بالمشاركة في مؤتمرات علمية، وإعادة النظر في المادتين (26)، و(27) من لائحة الدراسات العليا، وإلغاء فقرة طي قيد الطالب الذي يفشل مرتين في اجتياز الاختبار الشامل، بإعطائه مقررًا يدرسه، أو إتاحة فرصة التحويل إلى جامعة أخرى.
نحتاج إلى احترام الطلاب عمومًا، وطلاب الدراسات العُليا خصوصًا، فهم قادة وعلماء المستقبل، والعقول المستهدف إنماؤها لبناء مستقبل الوطن، ليواكبوا التطور الذي تشهده المملكة في جميع المجالات، فكيف بنا ونحن نبني هذه العقول ونهيئها ونؤهلها لنساهم جميعًا في الارتقاء بالكفاءات العلمية الوطنية، ونعينها، ونساندها، ونثري ثرواتنا العلمية ورأس مالنا المعرفي، والذي يتجسّد فيهم وفي حماسهم ورغبتهم وحبهم للعلم والعمل.

د. زياد بن منصور القرشي

المستشار والباحث الشرعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى