قادني لكتابة هذا المقال هو الوقوف عند كلمة “غدًا” التي تأتي بعد كل يوم؛ ثم بعد مجيئها وسط عمر الساعات القصيرة التي تنقضي سريعًا؛ تصبح هي اليوم الذي نعيشه؛ لننتظر بعدها غدًا جديدًا يأتي وهكذا.. لنعيش أعمارنا بين “غدًا، واليوم”.. حيث كان هذا في حديثٍ ذي شجون بيني وبين أخي الفاضل الأستاذ بقسم الاتصال والإعلام بجامعة الملك فيصل البروفيسور عبد الحليم موسى يعقوب؛ ليواسيني بعدها بقوله “يا محمد”: لكل إنسان في هذه الحياة طموحات تختلف من شخص لآخر؛ فكل فرد إلا وله رغبة في أن يكون أفضل حالًا مما هو فيه؛ فالطموحات الأكثر نجاحًا هي التي تكون أفعالًا مجسدة، وليس التي تبقى مجرد أمنيات تراود النفس ولا ترقى إلى الواقع والعمل الملموس، مما يعني وجود مرتكزات ودعامات تحتاج لها طموحاتك لتنجح.
أعمارنا تنقضي بين معادلة “غدًا، واليوم”؛ ولا بد أن نملك إرادة قوية تجعلنا مصممين على ما نطمح إليه بثبات، ومواجهة كل العقبات في سبيل المضي بخطى ثابتة نحو طموحاتنا المنشودة من دون ترك أي مجال لها للتقاعس والتخاذل.. حيث امتلاك روح التحدي ومواجهة المشكلات المعقدة والأزمات الصعبة التي تعترض سبل النجاح وتقود للانهزام والاستسلام.. إذا سلم المرء نفسه لها ويصبح حينها غير قادر على مواصلة مشواره إلى قمم ومراتع النجاح، وتبقى طموحاته مُجرد أحلام لا يمكنها أن تتجسّد على أرض الواقع.
يبقى اليوم هو لصناعة الفكرة وبناء حيثيات صناعة نجاحها؛ ليأتي على إثرها غدًا موعد تحقيقها كواقع منشود؛ ولا أحد يمكنه أن ينكر الدور الواضح لرفع سقف التوقعات المنتظرة من طموحاتنا عاليًّا، لأنه أمر ضروري للتحفيز الذاتي لكي يكثر العمل المنجز ولتقديم الجهد المضاعف، مع عدم إغفال نقطة بالغة الأهمية ألا وهي أن تلك التوقعات تبقى مجرد احتمالات منتظرة قد تترجم في الواقع كما رسمتها في ذهنك.. فالطموحات لكي تصير ناجحةً لا تحتاج للطامحين الساقطين في مصيدة التقليد الذي يبعد المرء عن تحقيق رؤى وتطلعات خاصة لا تُشابه غيرها، لهذا فسيطرة التقليد في أغلب الطموحات السائدة يدعو للقلق، وإن اختلفت درجة التقليد إلا أنها على حدٍ سواء تروم إلى استنساخ كامل لتجارب الآخرين في إنجاح طموحاتهم رغم عدم تشابه الخصوصيات والظروف، وتبقى الطموحات الحرة والبعيدة كل البُعد عن التقليد من بين أهم ما ينم عن شخصية صاحبها المستقلة؛ لذا ينبغي عليك أن تبتعد جذريًّا عن التقليد المقيت من جهة، والحرص على العمل الخاص بك، والذي يعبر عنك كشخص قادر على بناء وإنجاح طموحاته المتميزة والفريدة.
إلا أنه من أهم روافد التميز السعي الدائم للإبداع، فكل الطموحات الحاملة للإبداع متميزة، فلا تميز حقيقي بدون إبداع، ومن غير الممكن أن يستمر الإبداع بدون وجود الطموح الذي يحتويه كقيمة إضافية جديدة وكبصمة ذاتية فارقة، والتميز الإبداعي بالذات لا يتحقق إلا بالإتقان الذي يُعد من المقاييس الرفيعة المستوى التي تحملها الطموحات الناجحة.
ولا ريب في أن السعي الدؤوب خلف تحقيق التطلعات وتلبية الطموحات يكون مُثمرًا حين يحضنه الإبداع الذي يُشكل علامة فارقة في مجال المنجز البشري، خصوصًا الطموحات التي لا يقبل فيها الرهان إلا على الهدف الأسمى والأعلى؛ كأن تصبح رمزًا بارزًا للتميُّز الذي يشعل فتيل الرغبة في التفوق وبلوغ المرامي السامية، لهذا فالطموحات التي لا تكون داعمةً للإبداع ولا تبرز سمات التميز مآلها إلى الفشل أقرب من النجاح.
وختامًا.. أترجى “غدًا” أن يقف حتى أدركه بعد انتهاء يومي!!
0