قبل رؤية 2030 بحّت أصوات صغار المساهمين في سوق الأسهم السعودية، وهم يصرخون قبل أن تحل بهم الأزمات التي لا زالت السوق تُعاني من مخاوف تكرارها بين فينة وأخرى، كانوا يناشدون الجهات المعنية بأن تهب جادة يومها لإنقاذهم؛ فقد استشعروا الخطر وأن هنالك من يتلاعب في السوق فصنفوا السوق إلى هوامير وضحايا، ولم يلتفت لهم أحد بل كان يومها القائمون على السوق حينها يدّعون أن السوق تحت السيطرة حتى وقعت الفأس في الرأس فكان ما كان قبل 16 عامًا، وقد أساء ذلك لسمعة السوق ورسمت مزيدًا من الشكوك ومضت الأيام تتعاقب لتكشف بالفعل أن هنالك هوامير استغلوا المناصب والمنصات فخانوا الأمانة، وكان ذلك على حساب صغار المساهمين من ذوي الدخل المحدود. ولا شك -إن ما حدث- بكل المعايير يُعتبر سرقة لحقوق المساهمين في رابعة النهار وخيانة للأمانة وإهمالًا للمسؤولية، لا تكفي الغرامات وحدها في ردع أولئك وأمثالهم ممن خدعوا الذين ائتمنوهم مئات الملايين، وبفضل الله عادت الثقة والحقوق بعد المتابعة الجادة والرقابة الصارمة؛ حيث أحيل أولئك المختلسون المتربصون بأموال الضعفاء إلى القضاء للاقتصاص منهم نظير جرائمهم التي تندرج ضمن جرائم الأموال، ومن حق الضعفاء الذين تأثروا أن يحصلوا على شيء من حقوقهم سيما أن الجهات المعنية كشفت المختلسين قادرة بلا شك على تحديد من تضرر من ذلك التلاعب في الزمن والشركة لقد صُدم المجتمع السعودي بهؤلاء المختلسين، وقد كان يحسن الظن بهم؛ فإذا هم أول من يستغل طيبته وينهب حقوقه؛ ليبني له مجدًا وهميًّا على حساب عرق وشقاء أولئك الضعفاء.
. هنا لعلني أستعيد ما صدحت به أيام تلك الكارثة بسؤال يستشرف يومها المستقبل، أين أولئك الذين ضعفت ضمائرهم أمام المادة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنني أدعوهم وقد ركضوا على مسرح الحياة أن يعيشوا لحظات روحانية إيمانية مع نموذج من آلاف النماذج الخيّرة التي تعج بها المجتمعات الإسلامية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ولعل البطل الذي اخترته ليكون نموذجًا لهؤلاء، نسأل الله لنا ولهم الهداية هو “أبو الدحداح” -رضوان الله عليه-؛ حيث دخل شاب على الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو أنه كان يعمل سورًا حول بستانه؛ فقطع طريق البناء نخلة لجاره؛ حيث طلب منه أن يتركها لكي يستقيم السور فرفض وطلب منه أن يبيعيه إياها؛ فرفض فطلب الرسول أن يأتوه بالجار أوتي بالجار، وقص عليه الرسول شكوى الشاب فصدق الرجل على كلامه فسأله الرسول أن يترك له النخلة أو يبيعها له فرفض الرجل فأعاد الرسول قوله بع له النخلة، ولك نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لكن الرجل رفض مرة أخرى فتدخل أحد أصحاب الرسول، ويدعى أبا الدحداح فقال أأن اشتريت تلك النخلة وتركتها للشاب إليَّ نخلة في الجنة ؟ فأجاب الرسول نعم فقال أبو الدحداح للرجل أتعرف بستاني يا هذا؟ فقال الرجل نعم فمن في المدينة لا يعرفه ذو الستمائة نخلة والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق؛ فقال أبو الدحداح بعني نخلتك مقابل بستاني فنظر الرجل إلى الرسول غير مصدق ما يسمعه ووافق، وأشهد الرسول الكريم والصحابة على البيع فنظر أبو الدحداح إلى رسول الله سائلًا إليَّ نخلة في الجنة يارسول الله ؟ فقال الرسول: لا .. وأعجب أبو الدحداح من رد رسول الله؛ فاستكمل الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم قائلًا: عرض نخلة مقابل نخلة في الجنة، وأنت زايدت على كرم الله ببستانك كله، ورد الله على كرمك وهو الكريم ذو الجود بأن جعل لك في الجنة بساتين من نخيل أعجز على عدها من كثرتها، وعندما عاد الرجل إلى امرأته قال لها: لقد بعت البستان والقصر والبئر والحائط؛ فتهللت الزوجة من الخبر؛ فردت عليه متهللة: ربح البيع أبا الدحداح – ربح البيع .. فكم نحن بحاجة إلى أمثال أبي الدحداح ليختفي لصوص الأسهم ولتستقر السوق والأحوال، ولتنشط الجهات الرقابية التي قدمت لنا في الآونة الأخيرة شواهد حية على جديتها، من خلال الإعلان عن مجاميع متعاقبة من أولئك الذين أغرتهم الأرباح الواهمة، وكان مصيرهم الوقوف في قاعة العدالة، وإنصاف السوق منهم بل وتطهيره من عبثهم، واستمرار الطمأنينة والثقة بالسوق.
0