المقالات

مدرسة الصحافة والواقع الافتراضي

في زمن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل لأي شخص أن يطلق على نفسه لقب “صحفي”. وهكذا، نجد اليوم أن العالم مليء بالصحفيين المدعين غير المدربين الذين يعتقدون أن بضع تغريدات وصور من مقهى ستاربكس تجعلهم مؤهلين لتغطية أحداث العالم.

مرحبًا بكم في عصر الصحافة اللاهية، حيث يمكن لأي شخص أن يفتح مدونة أو قناة يوتيوب ويبدأ في نشر “الأخبار”. لم تعد هناك حاجة للذهاب إلى مدرسة الصحافة أو التدرب في جريدة محترمة. كل ما تحتاجه هو هاتف ذكي، إنترنت، ورغبة في جذب أكبر عدد ممكن من المتابعين.

خذ مثلاً “الصحفي” فادي، الذي لم يكمل دراسته الثانوية لكنه يعتبر نفسه خبيرًا في الشؤون الدولية لأنه شاهد عدة فيديوهات على يوتيوب. يكتب فادي مقالات عن الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط بينما يجلس في مقهى شعبي، يستند في معلوماته على منشورات فيسبوك ورسائل واتساب من أصدقائه.

ثم هناك “الصحفية” مريم، التي تُعتبر “مؤثرة” أكثر مما هي صحفية. تعتمد مريم على مظهرها الجذاب أكثر من محتوى ما تكتبه. تصنع فيديوهات عن “التحقيقات العميقة” حول مواضيع تافهة مثل “أين تذهب القطط ليلاً؟” و”هل فعلاً الجزر يقوي النظر؟”. تجذب ملايين المشاهدات، ولكن لن تجد في محتواها أي معلومة ذات قيمة.

نحن في زمن “البث المباشر”، حيث يمكن للصحفي المدعي أن يبث تغطية حية لأي حدث، بغض النظر عن أهميته. يستطيع “الصحفي” سامي أن يقف أمام مرآته في الصباح ويبث تغطية حية لعملية تنظيف أسنانه، مع التعليق على أهمية العناية بالفم من أجل مستقبل الإنسانية.

أما “التحليل العميق”، فهو من اختصاص “الصحفي” عادل. يقضي عادل ساعاته في تحليل المباريات الرياضية على أريكة منزله، مستندًا إلى خبرته الواسعة في لعبة الفيديو “فيفا”. يعتبر نفسه أفضل من أي محلل رياضي لأنه يستطيع تغيير خطة الفريق بضغطة زر.

لقد أصبحت الصحافة الحقيقية فنًا ضائعًا في بحر من الصحفيين المدعين غير المدربين. إنهم يعطون معنى جديدًا لمفهوم “حرية التعبير”، حيث يمكن لأي شخص أن يعبر عن أي شيء، بغض النظر عن مدى سخافته أو عدم دقته.

في النهاية، علينا أن نتقبل هذا الواقع الجديد ونتعلم كيف نميز بين الصحفيين الحقيقيين وهؤلاء المدعين. وربما، في يوم من الأيام، سنعود إلى الزمن الذي كان فيه للصحافة قيمة حقيقية ومعنى عميق، بعيدًا عن الزيف والسخرية.

– كاتب وباحث إعلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى