المقالات

تساؤلات في اليوم العالمي للعلاقات العامة

قبل أيام معدودة احتفل المُمارسون والمُتخصصون “باليوم العالمي للعلاقات العامة”، هذا التخصص الفريد والكبير الذي يجمع ما بين العلم، وذلك من خلال الدراسة للعلاقات العامة والاطلاع على نظرياتها وأدواتها وبين الفن؛ وذلك من خلال آلية وطريقة التعامل مع الجماهير والناس داخل هذا المجتمع، والتي تتحكم فيها التجربة الحياتية والشخصية، فالمزج بين الأمرين أمر مهم وضرورة مُلحة للمتخصص والمُمارس، فهذا اليوم العالمي هو في الحقيقة يوم عالمي للأخلاق والتربية والمسؤولية، ويوم البحث عن رضا الجماهير والناس، هو يوم أساسه اللباقة والأدب وفن التعامل، هو يوم صناعة للصورة الذهنية الشخصية وتكوينها في بيتك وعملك ومجتمعك حتى تنعكس هذه الصناعة على مؤسستك، هو يوم تحسين للصورة الذهنية للفرد قبل المؤسسة في حال احتياجها لذلك، هو يوم لحل المشكلات وتجاوزها وتخطيها، هو يوم لدثر الشائعات وبناء العلاقات من خلال التواصل داخل هذا المجتمع، بدأ بفكرة كان مؤمنًا بها “إيفي لي”؛ وهي أن لكل مشكلة وكل حادثة توجد حلول لها نستطيع أن نصل إليها من خلال مناقشتنا للمشكلة، أسبابها والأمور التي أدت إلى حدوثها حتى نستنتج ونستخلص نتائج تكون بناءة وموفقة للجميع تحت مسمى “العلاقات العامة”، وهذا ما قد طبقه في حادثة إضراب العمال عن العمل في منجم بسبب سلوكيات وتصرفات لمالكه، بعد ما استعان به مالك المنجم لتطبيق أفكاره التي يؤمن بها، فبدأ بالتواصل معهم وسمع منهم حتى استطاع أن يُغير الصورة التي تكوَّنت عن صاحب المنجم في أذهانهم، الأمر الذي جعلهم يتوقفون عن الإضراب ويعودون للعمل بعد فترة قصيرة، دون أي تدخل من مالك المنجم، فقد كان كالوسيط بين المالك والعاملين، وبعد نجاح هذه التجربة آمن وحرص على تطبيق أفكاره أكثر واستطاع أن يحوَّل هذه الأفكار المميزة في حل المشكلات، وهذا الفن في التعامل مع الناس بجميع الطبقات باختلاف تعليمهم وثقافاتهم ودراستهم ومجتمعهم إلى علم يُدرس في أفضل وأقوى الجامعات، ومع مرور الزمن وظهور الثورة المعلوماتية اتسع هذا التخصص، وأصبح يرتبط بتخصصات أدبية كثيرة “كعلم النفس والتسويق، والعلوم السياسية، علم الاجتماع”، الأمر الذي قد أكدته إحصائية لموقع “Business Insider” بأن تخصص العلاقات العامة هو أكثر التخصصات التي تأثرت وظيفيًا وعلميًا ومهنيًا بسبب الثورة المعلوماتية الرقمية، لكن بالرغم من كل هذه التفاصيل الدقيقة لهذا التخصص الكبير والمهم إلا أن هناك بعض الأخطاء البدائية في تصوري لبعض المؤسسات والشركات قد لاحظها المُتخصص والمُمارس بل حتى الجمهور العام في الفترة السابقة، واستنكر وجودها، في ظل هذه التطورات الكبيرة وهذه التنمية المُستدامة والشاملة في جميع المجالات للمملكة العربية السعودية، وعلى سبيل التوضيح ما حصل معي شخصيًا في فترة سابقة، وأنا متجه في رحلة عائلية قصيرة إلى إحدى المدن خارج المملكة العربية السعودية من مواقف غير جيدة تسويقيًّا وعلميًا مع إحدى شركات الطيران منذ بداية الحجز لتذاكر الطيران، ودفع المبلغ وتجهيزه ومن ثم طلب مبالغ إضافية على الكرسي الذي سيُلازمني طيلة الرحلة، فتبادر لذهني عدة أسئلة تتمحور حول علم العلاقات العامة والتسويق فيما يُسمى “بالعلاقات العامة التسويقية” وهي:
– هل في حال عدم دفعي لقيمة الكرسي سأظل واقفًا طوال الرحلة؟
– ما هذه الطريقة التسويقية الغريبة والتي قد يجدها الجمهور مستفزة؟
– ما هي الفائدة التي ستجنيها المؤسسة أو هذه الشركة نظير استفزاز الجمهور؟
– لماذا لم يتم ضم قيمة الكرسي مع قيمة التذكرة؟
بحيث إذا كان هناك شخص يرغب بكرسي أفضل يدفع مبلغًا أعلى وتكون كالباقات، فبهذه الطريقة تستفيد هذه الشركة ماليًا دون أن يشعر الشخص الذي أراد الحجز لديهم بالاستفزاز، وذلك لأن مثل هذه الأمور تبعث برسائل يشعر بها الجمهور؛ وكأن هذه الشركة هدفها الأول والأخير هو المال، وإن وصل هذا الشعور للجمهور فهو يدل على عدم احترافية قسم العلاقات العامة؛ لأن غاية وهدف علم العلاقات العامة هو رضا الجمهور والحرص على بناء علاقة جيدة معه، وعلى العموم أكملت الحجز وتوجهت إلى المطار للسفر، ولظروف قاهرة لم يستطع أحد الأقرباء السفر معي، فطلبنا تأجيل رحلته فبلغونا بالآتي:
– رفض تأجيل الرحلة.
– دفع غرامة مالية لعدم سفره بنسبة تكون مُحددة من قيمة التذكرة.
– دفع مبالغ مالية لجميع الحاجزين بما يُسمى “بتثبيت مقاعد”.
– دفع قيمة تذكرة جديدة في حال أراد السفر، ولن يتم تعويضه عن السابقة.
مما جعله يضطر في نهاية الأمر لدفع كل هذه المبالغ من أجل اللحاق بنا، وفي هذا الموقف تأكد لي تمامًا غياب دور جهاز العلاقات العامة، وتأكد ذلك بوجود أسئلة كثيرة بدون إجابة وسأحاول أن أختصرها في الآتي:
– أين قسم العلاقات العامة في هذه الشركة؟ وما هو دوره؟ وما هو تأثيره؟
– كيف سيحافظ على العلاقة بينه وبين الجمهور في ظل هذه الغرامات المالية الكبيرة؟
– هل سيطبقون هذا الأمر على أنفسهم في حال تأخروا عن الرحلة أو تم إلغاؤها؟
– ما الذي كانت ستخسره هذه الشركة في حال تعويض المتضرر بشيء من قيمة التذكرة بدلًا من فرض رسوم عليه بنسبة مُحددة من قيمة التذكرة؟
– وكيف سيكون أثر هذه التصرفات الإنسانية في حال تطبيقها على المتضررين؟
مثل هذه التصرفات التي تهتم بالربح دون الاكتراث بالجمهور هي تصرفات ستضر الشركة مستقبلًا، فأعتقد بل أجزم بأن الكثير من المتضررين من مثل هذه القرارات قد انزعجوا منها ووصل بهم الأمر إلى مقاطعتها، وهذه للأمانة أول عمل قد فعله صاحب القصة بعد دفع جميع الغرامات المطلوبة؛ وذلك بحجزه واختياره لشركة طيران منافسة للشركة السابقة بالرغم من أن الأولى كان لها أفضلية من ناحية الوقت والسعر إلا أنه فضَّل التعامل مع شركة أخرى، ولا ننسى عندما ظهرت حالات تسمم من أحد المطاعم الشهيرة، ظهر أحد المطاعم المنافسة ببيانات إعلامية كارثية مليئة بأخطاء لغوية وإملائية، لا ترتقي لأن تُصنف بيانًا إعلاميًا أو بيانًا صحفيًا، شعر بها المتخصص والمُمارس والعامة من الناس، لدرجة جعلت الجماهير عبر منصة ( (xبالتعليق على البيانات بسخرية قائلة: “والله مُصدقينكم بس غيروا جهاز العلاقات العامة والإعلام عندكم أو لا تصدروا بيانات نهائيًا”.

مثل هذه المواقف الخاطئة كان يجب ذكرها في “اليوم العالمي للعلاقات العامة ” خصوصًا وأنها تصدر من مؤسسات وشركات كبيرة، ولها باع طويل في السوق السعودي وليست ناشئة، الأمر الذي يجب أن تُدركه أجهزة وإدارات العلاقات العامة والإعلام بهذه المؤسسات، فالعلاقات العامة ليست لرفاهية المؤسسات، بل هي ضرورة حتمية ومُلحة لبقائها، وهذا ما قد أكده رجل الأعمال الشهير “بيل جيتس” عندما قال: “إذا لم يبقَ في ميزانيتي التسويقية سوى دولار واحد، فسأنفقه على العلاقات العامة”.

– عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button