توجد هناك أسباب عميقة متجذرة ومتعددة ومتباينة ومتفاعلة لتعاطي المخدرات، حيث إن الاستعداد الوراثي قد يلعب دورًا هامًا في ذلك، كما أن محاكاة الوالدين والأصدقاء له تأثير كبير في هذا السياق، وتلعب العوامل الاجتماعية والاقتصادية وضغوط الأصدقاء والمعتقدات الخاطئة والتشوهات المعرفية عن تأثير المخدرات دورًا هامًا أيضًا، كما أن ضعف صورة الذات والتقديرات المتضخمة للسيطرة الشخصية على المادة المخدرة، وسهولة الحصول عليها والتجنب من خلال التداوي الذاتي كمحرك رئيس للانغماس في بؤرة الإدمان، إن الخلل في الجانب الوراثي أو الاجتماعي أو النفسي وصورة الذات السلبية قد تكون محركات رئيسية للشخصية الإدمانية.
إن الإدمان لا يأتي فجأةً بين عشية وضُحاها بل إن المفاهيم الخاطئة والبنية المعرفية المشوهة حول طبيعة المواد ومسبباتها هي التي تدفع الشخص لخوض التجربة الأولى في التعاطي، وهي بمثابة المسمار الذي دُقّ في نعش تلك الشخصية الإدمانية .
إن الإدمان لا يعني بالضرورة استخدام المواد المتعارف عليها سابقًا مثل: الحشيش والإمفيتامينات والكريستال ميث (الشبو) والهيروين بل الأمر يتعدى ذلك إلى إساءة سوء استخدام العقاقير الطبية أيضًا مثل: عقار (بريجابالين) والاسم التجاري (اللاريكا) وعقار (ألبرازولام) والاسم التجاري له زانكس، وهي أدوية ذات استخدام طبي بحت ومقيدة، وحينما تستخدم لغير الأغراض الموصوفة لها وبالجُرعات المحددة لها تتحوَّل إلى مادة إدمانية تم إساءة استخدامها طبيًا، فأي مادة مخدرة أو عقار طبي يُساء استخدامه فهو باب مُشرّع “للاعتمادية”، وهو ما يُعرف بالإدمان .
إن ما نراه اليوم من آلام نفسية واضطرابات شخصية وأعراض انسحابية ونوبات متعددة وأعراض ذهانية ولوثات عقلية هي نتاج لهذه السموم القاتلة من سوء استخدام العقاقير وتعاطي المخدرات الأخرى.
إن سوء استخدام العقاقير والمخدرات ليست مشكلة شخصية أو صحية أو نفسية أو عقلية أو اجتماعية أو سياسية بل هي هذا وأكثر من هذا؛ حيث إن الإدمان يجعل الإنسان صاحب الفكر السليم والأفكار العقلانية بقايا إنسان بدون فكر سليم، ويتسم بالأفكار اللا عقلانية يعتريه الخوف والوجل، وتُحيط به الآلام النفسية والجسدية من كل حدبٍ وصوب .
إن البقاء في مُعترك الإدمان يوسّع الفجوة بين الإنسان وذاته، وتزداد مشاكله الشخصية والاجتماعية يومًا بعد الآخر، كما أن إنكار مشكلة المرض هي جزء من المرض ذاته وليس هناك حلول جذرية للخروج من هذا المُعترك سوى التوكل على الله والاعتراف بهذه المشكلة، وطلب المساعدة من الآخرين لطلب العلاج والتعافي من هذا السم القاتل الذي يأتي على الحرث والنسل. كما أؤكد أن الدعم الأسري والاجتماعي لمن لديهم مشكلة مع سوء استخدام العقاقير وتفهم مشكلتهم بكل أبعادها والمساعدة في إيجاد الحلول لهم هي بمثابة اللبنة الأساسية في العملية العلاجية بأكملها، وكلما كان هناك مريض يعاني وأسرة متفهمة وداعمة ومعالج ناجح وبرنامج علاجي ممنهج ومراكز تأهيل مرخصة، وتتبنى برنامجًا تأهيليًا متكاملًا كلما كان هناك نتائج إيجابية ومنحنى صاعد نحو ديناميكية التغيير للأفضل .
وما تقوم به حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين من محاربة للمخدرات بكافة تصنيفاتها لما لها من تأثير سلبي على شبابنا وبناتنا ومجتمعاتنا وتنميتنا في وطننا الغالي هي جهود مباركة، تحتاج مساندة وتضافر كل القطاعات ذات العلاقة .
إن رؤية 2030 من سمو سيدي ولي العهد -رعاه الله- إحدى مرتكزاتها الهامة هي جودة الحياة والاهتمام بطاقات الشباب الذي يُشكل نسبة كبيرة من عدد سكان المملكة وهم عماد الوطن وذروة سنامه، لذا اهتم -رعاه الله- بهذا الأمر شخصيًا ووجّه الجهات الأمنية والطبية والاجتماعية كلًا فيما يخصه للقضاء على هذه الظاهرة ووأدها في مهدها؛ لحرصه -حفظه الله- على سلامة وصحة الشباب وبناء المستقبل الواعد -إن شاء الله- .
إن توجيهات قيادتنا الحكيمة، وإتاحة فرص العلاج والتأهيل في المستشفيات العامة والخاصة هو ما يؤكد الدور الهام والاهتمام المباشر بأبناء الوطن .
همسة: الإدمان ليست كلمات تُحكى أو قصصًا تُروى.. الإدمان مشكلة تحتاج إلى حل …
– أخصائي نفسي- المدير التنفيذي المساعد
مراكز ومنتجعات قويم لتأهيل مرضى الإدمان
الأمراض النفسية والعقلية حقيقة باتت بسبب ظروف الحياة المعاصرة وضغوط الحياة …في اعتقادي أن أكبر مصنع للمخدرات الأدوية النفسية تلك التي تصرف لأعراض مرضية لا تعالج فقط بالدواء بل أهمية وضرورة العلاج المعرفي والإرشادي الذي لا وجود له في الخطط العلاجية … نهياك عن الخلفية الاجتماعية والبيئة المحلية التي وراء تفاقم الوضع إضافة سلسلة النكبات التي تلي هذه الوضع على الفرد وأسرته… اعتقد ان العلاج النفسي لدينا منخفض وضعيف يحتاج لإعادة نظر لأنه هو بؤرة البلاء الذي حل بمجتمعنا ومراجعة أدبيات البلاء والصبر