حكاية
عامان مضيا منذ أن تزوج والدهم بامرأة أخرى دون أن يطلق أمهم التي لجأت إلى بيت أبيها حيث عاشوا مع جدهم وجدتهم، وكان أبوهم يبعث إليهم نفقتهم نهاية كل شهر، ويغدق عليهم المبالغ في الأعياد والمناسبات….في إحدى الامسيات قالت لهم أمهم يجب أن تذهبوا إلى ابيكم وتطلبوا منه أن يزيد لنا المصاريف.. وأوصت ابنتها الكبيرة أن لا تغادر منزل والدها إلا بعد أن يتأكدوا من موافقته على ذلك .. وهو مااستنفرت الابنة الكبرى كل قواها وشجاعتها لنقله لأبيها .. شدت أخيها الصغير من يده، ومضت يتبعها أخوها الأوسط في خطوات سريعة نحو بيت أبيهم .. حين وصلوا؛ تقدمت الصفوف وصعدت وهم وراءها إلى الطابق الثالث حتى إذا ما بلغوا الباب تقدمت وطرقته طرقا خفيفا..
بوغتت زوجة أبيهم وهي تفتح لهم الباب بمجيئهم .. وسألتهم خيرًا إن شاء الله .. بينما استقبلهم أبوهم في دهشة وترحاب .. جلسوا حوله وقد ارتسمت على وجهة ابتسامات تعبر عن اشتياقه إليهم ومحبته لهم … قام من مجلسه واحضر لهم بنفسه بعض الفاكهة والعصائر .. وهو يتطلع إلى وجوههم .. محاولا قراءة الشجن المرسوم على ملامحهم .. ومعرفة سر زيارتهم المفاجئة .. انتهزت الابنة الكبيرة ذهاب زوجة أبيها إلى المطبخ .. قاومت الغصة في حلقها واستجمعت كل الكلام الذي قالته لها أمها .. بصوت مبحوح قالت نريدك أن تعود إلينا .. أو أن نبقى نحن عندك ؟!
ارتعشت شفتاه وانحنى عليها مرتبكا يسألها … لماذا الآن..وأمك أين هي..هل طردكم جدكم من المنزل ….؟! قالت الفتاة لم يطردنا أحد، وجدي وجدتي يعاملوننا بكل حب وحنان .. ولكننا.. لم تكمل كلامها.. دخلت زوجة أبيها .. وهي تقول لقد طبخنا اليوم طعامًا سيعجبكم جميعا … نهضت من مجلسها مستغلة شرود أبيها .. وردت على دعوة زوجة أبيها قائلة مرة أخرى .. سحبت أخيها الصغير من يده وتبعها أخوها الأوسط ومضوا في طريقهم إلى الخارج..
سألت الأم ابنتها عن نتيجة الزيارة التي لم تدم لأكثر من نصف ساعة ولكنها لم تفصح عن الجواب.. شرعت تسأل الجميع عشرات الأسئلة .. فلا يزيدها سكوتهم إلا غضبا على غضب .. تطلب من البنت أن تعيد ماقالته لأبيها فتعيد المسكينه الرواية منذ أن طرقت باب المنزل وحتى المغادرة….في الليل والصغير يتوسد صدر أمه وهي تحيطة بالدفء..شد اللحاف برفق عازما على أن يحكي لها عن السر الذي أخفته عنها أخته….وماقالته لأبيه..نادى: أمي! ..ألا أن صوته ضاع في رطوبة العتمة..شد اللحاف مرة أخرى ونادى .. أمي .. عندها ضمته إليها وهي تقول له نم وغدا سأحكي لك ماتبقى من الحكاية….وعلا تنفسها بصوت متعب..