ذكرت في مقال سابق أنه منذ أكثر من 53 عامًا، تعرفت مبكرًا على صاحبة الجلالة كما يحلو لعُشاقها تسميتها، ودخلتها كناشئ من صحيفة عكاظ عبر زاوية (سوق عكاظ) التي كان يشرف عليها أ. سعيد الصبحي -رحمه الله-، وقد فزت يومها بجائزة “أفضل مشاركة قارئ” تحت عنوان: “ليت أبي يعمل مديرًا” بشيك قدره “خمسون ريالًا”، كانت القيمة المعنوية أكبر وأكثر تحفيزًا. ثم عرجت على معظم الصحف المحلية وبعض الخليجية والعربية؛ وذلك من خلال زاوية (في وضح النهار)، التي شقت طريقها في البدايات بصحيفة “الجزيرة” ثم صحيفة “المدينة” لمدة عامين، ثم في البلاد لمدة ثلاثين عامًا، ومنذ ذلك الحين وأناملي تُداعب سكب الحروف والكلمات لرسم لوحات فكرية وتصورات وآراء تتقاطع أو تتفق مع الرؤى المطروحة؛ وذلك بانتظام أسبوعي وحسب الأحداث، لم أنقطع ولله الحمد إلا فترة بسيطة لعارض صحي أو قهري. رغم أن طريق الإعلامي سابقًا كان شاقًا، يبحث عن المعلومة وينكب على متون المراجع ليل نهار، ليس كحاضرنا الذي في معظمه قص ولصق، حتى شاهدنا كتبًا تنسخ من الغلاف إلى الغلاف، في وقت المعلومة تطرق مساحة ناظريك وتشنف أذنيك دون أن تبحث عنها؛ لذلك سميت بمهنة المتاعب. وفي إحدى المراحل قررت أن أترجل عن صهوة جواد المقالة الأسبوعية المنتظمة في الصحف الورقية، وأعلنت ذلك وتعرضت لعتب كبير من جل رواد المهنة وملوك الحرف كي أتراجع عن هذه الفكرة، والتي لم أقدم عليها إلا بعد دراسة عميقة أخذت من وقتي الشيء الكثير، سيما أن عالم التقنية كما أسلفت أصبح يسهل عملية التواصل ويختصر المسافة والمساحة للمقالة، لكي تصل إلى المتلقي بصياغة إبداعية وجمل موجزة لا يؤثر في محتواها ومقصدها مقص الرقيب الرسمي؛ لأنها مُرِّرت على الرقيب الذاتي كطبع وليس تطبعًا لعله يكون الحوار أكثر عطاءً؛ حيث وجدت في بداية الألفية الثانية أن المنتديات الإلكترونية أكثر رحابة ومساحة للتجاذب الفكري، خصوصًا فيما يتعلق بالشأن العام والحوارات الفكرية، ثم جاءت الصحف الإلكترونية، وكان لي السبق مع من استهلوا ذلك الانفتاح، فأسست (صحيفة الحجاز الإلكترونية)، واستصدرت لها تصريحًا بعد سنتين من تأسيسها، ثم اضطررت لأسباب شخصية إلى التوقف. وكان لي مع عالم التواصل الاجتماعي (تويتر) جولة استقرت منذ 2011م، ووجدت فيه ترحيبًا ورحابة واختصارًا وسرعة إيصال وتواصلًا وإنجازًا وتجاوبًا، ولعلني رأيت في (تويتر) مساحة لما تبقى من عمر إذا كتب الله والبُعد عن المقالة المنتظمة، رغم أنني تعرضت لصدمة كبيرة عندما فقدت حسابي القديم، والذي بعد 7 سنوات بلغ المتابعون 140 ألف تقريبًا، واحتسبت وأوجدت البديل القائم حاليًا؛ حيث شكلت الضغوط خضوعًا لرغبة أحبتي ومن بطيبتهم وجدوا في حرفي بجمال حسهم شيئًا يذكر، ولعلي أستغلها فرصة لأستذكر مرحلة من الركض الإعلامي المجتمعي الخلّاق، والذي تشرفت من خلاله بأن تلقيت خطابات وشهادات شكر تجاوزت 1221 خطابًا وبرقية وتلكسًا وشهادة، وجميعها مفهرسة وموثقة، أرى أنها تبقى مكسبًا ووسامًا، سيما أنها جاءت شكرًا على مقالات وتفاعلات فكرية، تناولت الشأن العام بين إشادة مستحقة ونقد هادف في معظمه. ومما يسعدني أن مسيرة أكثر من نصف قرن لم أتلقَ أي خطاب ينفي ما أتطرق إليه، وحينما يطرح مثل ذلك أقدم الأدلة والبراهين، وهذا ديدن حرصت عليه ولله الحمد؛ مما جعلني مرتاح البال والضمير؛ لذلك سأحاول قدر ما يسمح به الوقت والظروف من التواصل، سيما وأننا بحاجة إلى تضافر الجهود، كلٌ في مجال تخصصه وإبداعه، لتبقى بلادنا عالية الكعب ويشار إليها بالبنان، من خلال تماسك لحمتها وتميز مجتمعها، تحت قيادة حكيمة تنشد الأمن والأمان والرغد لكل من على هذا الثرى المبارك، راجيًّا من العلي القدير أن يوفقني لأن أكون عند حسن ظنهم، وأن نكون جميعًا خير من يمثل هذا الكيان الشامخ بقيادته الحكيمة ممثلة في مقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وهذا الشعب الوفي، من خلال الكلمة الصادقة والبوح الداعم لكل ما هو جميل ومشرق، نحو مستقبل أكثر جمالًا وإشراقًا -بإذن الله-. وذات مرة وكل ما ذكر كوم وما سيأتي كومًا آخر، سألني صديق بالأمس لماذا تطالب الآخرين بتوثيق سيرهم وأنت لم توثق مسيرتك الإعلامية في كتاب كسيرة ذاتية؟ فأعادني بحسرة وألم إلى مقالة قديمة ذكرت فيها أنه كان لي تجربة عكفت عليها بعد نيلي جائزة القصة_القصيرة على مستوى المملكة قبل 50 عامًا على 4 مؤلفات هي : 1ـ حياتي معايشات. 2ـ عشرون عامًا في بيشة. 3ـ وذبلت الزهرة. 3 قصص إحداها حصلت على جائزة القصة القصيرة والأخرى نشرت بمجلة اليمامة 1396هـ. 4ـ فئران_القصور واستشرت من رأيت فيهم الخبرة؛ حيث طبعت مؤلف “حباتي معايشات”على الإستنسل وعرضتها كمسودات على أساتذتي أ. سعيد القاضي وأ. عبد الرحمن الغنام درسّنا بالمعهد العلمي، وكان في الثمانينيات الهجرية يوجد مدرس بمعهد إعداد المعلمين في بيشة وكذلك على الأستاذ: سعيد الغامدي وكيل امارة بيشة حينها، وحامد بن عبد المحسن كان يومها موظفًا بالضمان الاجتماعي ثم الإمارة، والأستاذ عبد الرحمن عويد وعلي بن عامر الصعيري أحد مثقفي بيشة وجاري -رحمهم الله- كان جميعهم لهم ملاحظات كثيرة تتعلق بالعُرف المجتمعي عدا أ. سعيد القاضي الذي شجع على طباعتها، مما اضطرني في ساعة غضب إلى إحراق ثلاثة منها، وكادت تشكل لي حالة نفسية تخلصت منها بتغير المكان أما الرابع فأتلفته في جدة. رغم أن تلك المؤلفات كانت ستُشكل شهرةً فوق كل تصور لكن ربما سيغضب منها مقربون كُثر. أدركتها فيما بعد في حس من رفضوا بشدة، وأدركت بُعد نظرهم لتعايشهم مع مجتمعي؛ حيث لم تكن تتوافق وبيئتنا الاجتماعية يومها لما تحتويها من شفافية وجدية تختلف عن مسطرة المقالة. لكنها تبقى بنات أفكار ربما وأدتها بحساسية مفرطة، أقول ربما والله أعلم
0