سجَّلت منطقة عسير أعلى المعدلات السياحية قياسًا بالأعوام الماضية وقياسًا بالمناطق التي تقتسم معها كعكة السياحة السعودية الداخلية، وسجلت مدينة أبها أدنى معدلاتها السياحية في صيف هذا العام.
تبدو للوهلة الأولى أن مدينة أبها شهدت أضعف إقبال سياحي لها في السنوات العشر الماضية، وأن المؤشرات تقول إن نسب التشغيل للفنادق، والمراكز المخدومة والمطاعم وصلت إلى أقل من 50%، وهذا إفلاس مقلق، وهنا بدأت دوائر الأسئلة عن أسباب العزوف السياحي عن مدينة أبها، وضعف سوقها السياحي هذا العام قياسًا بالأعوام الماضية التي شهدت طفرة سياحية هائلة؛ وخاصة صيف العام الماضي الذي شهد زحامًا فاق الوصف، وإقبالًا زاد عن معدلات الدراسات السابقة إلى درجة أن نسب التشغيل في بعض الفنادق والمراكز الخدمية تجاوزت 106% وفق أرقام ميدانية دقيقة.
طبعًا فسّر البعض هذا العزوف السياحي عن أبها إلى إغراءات السياحة الخارجية، والبعض ذهب إلى أن غلاء تذاكر الطيران كانت إحدى المعوقات، والبعض فسّر هذا الخلل السياحي إلى الغلاء في المعيشة والسكن، وقد نتفق مع البعض حول تكلفة المعيشة، ولا نتفق مع من يدعي غلاء السكن لأن السكن أصبح متاحًا من 250 ريالًا إلى 2000 ريال لليلة الواحدة بمعني أن مشكلة غلاء أسعار السكن غير واقعية.
الحقيقة أن جميع الأسباب التي أشار لها البعض عن هذا العزوف عن السياحة في مدينة أبها بعيدة نهائيًا عن الواقع الذي يقول إن القائمين على السياحة رأوا أن تكدس المحفزات السياحية والترفيهية في مدينة أبها يُسبب شللًا للحركة المرورية، وزحامًا في كل شوارع المدينة؛ لذا نقلوا وسائل الجذب للمحافظات، والمراكز الجبلية امتدادًا إلى النماص وسبت العلاية مرورًا بتنومة وبللسمر شمال أبها، والواديين وأحد رفيدة امتدادًا إلى سراة عبيدة شرقًا، بل إن مركز الواديين شهد إقبالًا سياحيًا في صيف هذا العام بشكل لافت، وشهدت مواقع الجذب الجديدة مثل الحبلة إقبالًا سياحيًّا يفوق الوصف، ووضح أن اتجاه زوّار عسير للأرياف والمحافظات والمراكز الجبلية، وأن الخيارات التي سعت لها برامج عسير حققت الهدف بتوزيع السياح دون تكدسهم في مدينة أبها، وقد تتعرض مدينة أبها لموجة سياحية تشبه صيف العام الماضي خلال منافسات السوبر السعودي منتصف أغسطس بمشاركة فرق جماهيرية تُعيد السياح لأبها باعتبار الرياضة إحدى محفزات السياحة السعودية الداخلية.
سياح عسير هذا العام اتجهوا للأرياف فهدأت مدينة أبها من أزمة الزحام الذي أربك أركانها صيف العام الماضي، وسوف تستعد لاستقبال الموجة السياحية الكبيرة عند قُرب منافسات السوبر السعودي الذي يقام في أبها لأول مرة، أما المؤشرات السياحية التي ترد على دوائر الأسئلة التي انبثقت من مجالس المستثمرين فيرد عليها الواقع بأرقامه الذي يقول إن منطقة عسير استقبلت أكثر من اثنين مليون سائح صيف هذا العام، وبإنفاق وصل إلى مليار ونصف ريال وفق قناة “الإخبارية” السعودية.
عمومًا نجح القائمون على السياحة في توزيع وسائل الجذب السياحي، ونقلوا المصطافين إلى محافظات ومراكز المنطقة بمهارة وذكاء، وهذه بوادر فتح آفاق جديدة لصناعة السياحة بإيقاع ريفي أجمل من ضجيج المدن، ولن نستغرب إذا سجلت النماص وتنومة وبللسمر والواديين وأحد رفيدة وتمنيه والحبلة وباحة ربيعة وزبنه وطبب والسقا أرقامًا سياحية تفوق ما سجلته مدينة أبها صيف هذا العام؛ لأن المصطاف فضَّل هذه المواقع، ولأن القائمين على برامج الجذب وزعوا برامجهم، ولم يحصروها في شارع الفن.
0