هذه العبارة في ظاهرها التشجيع على التحلي بأخلاق الرجال، والبُعد عن سفاسف الأمور والترحيب بالزائر وحسن استقبال الضيف والمبادرة بتقديم القهوة، ولبس الملابس التقليدية التي تتوأم مع تلك المناسبات، ولا غرابة في ذلك.
ولكن (تلك العبارة – خلك رجال) قد تكون سببًا في إحياء ظاهرة التنمر وحدة التعامل وغلاظة الأسلوب إذا كان الوالد ينصح أولاده بالاعتداء على الآخرين، وانتزاع الشيء بالقوة منهم، والبطش بهم لمجرد احتكاكهم بأبنائه.
وللأسف هناك آباء يحرضون أبناءهم على الفوضى وإثارة المشاكل في المناسبات، ويزجرون صغيرهم إذا لعب مع أقرانه واشتبك معهم ثم بكى منهم ويطلبون منه وبإلحاح شديد وبعبارة (خلك رجال) – وهو لازال لم يصل إلى سن التمييز – يطلبون منه عدم البكاء وأخذ حقه بالقوة، ويجيشون إخوانه ويحرضونهم على الثأر من أقرانهم بداعي الرجولة وذلك الخطأ بعينه !!
وطبقًا للمفهوم العامي المشؤوم للرجولة لا بد أن يكون الشاب ذا فتوة خارقة وتصرفات عدوانية؛ فيعتدي على هذا ويتهاوش مع ذاك وينتهج العادات السيئة كشرب الدخان وتشمير الذراعين ولبس الحذاء بطريقة مختلفة، والمشي بخيلاء وتربية الشوارب وإثارة المشاكل حتى يُقال عنه (رجل)!!
وفي الحقيقة أن هذه تصرفات صبيانية لا ترتبط بالرجولة، وإنما هي مدعاة للانحراف وارتكاب الجرائم وإثارة الفتن.
الرجولة الحقيقية تتمثل في التحلي بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة كالنخوة والشهامة والكرم والفطنة ورجاحة العقل وطلاقة اللسان والعفو عند المقدرة، وتجنب الغدر أو الخيانة وتحدي المخاطر، ومرافقة الأصدقاء الصالحين واحترام الكبير، والعطف على الصغير .
وتلك الصفات الرجولية هي من مكارم الأخلاق عند القبائل العربية منذ العهد الجاهلي وحتى بعثة سيدنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- الذي أتى ليتممها وينقيها ويحث عليها، بقوله -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-: إِنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِم الأخْلاقِ.
لذلك أنصح الآباء بحسن تربية أبنائهم على القيم السامية والعادات الأصيلة والصفات الحميدة والاعتدال في ذلك كله، والبحث عن القدوات الصالحة والأصدقاء الصادقين بعيدًا عن النعرات القبلية والأهواء الطائفية والتصرفات الصبيانية؛ ليعيشوا في أمن وأمان وراحةٍ واطمئنان.