المقالات

جوائز القلم الذهبي: مرحلة جديدة في مسيرتنا الثقافية الواعدة

عندما كتبت الراحلة شريفة الشملان قصتها الأولى قبل نحو ثلاثين عامًا، اكتشف فيها كبار النقاد موهبة أدبية إبداعية جديدة، وسرعان ما شقت طريقها نحو التميُّز والشهرة بشكل سريع، ويعتبر ذلك علامةً فارقةً في تطور القصة السعودية، وقد واكبها أعداد كبيرة من كتّاب الرواية والقصة القصيرة من جيل الشباب المبدع في مملكتنا الحبيبة، لتشهد ساحتنا الثقافية حراكًا ثقافيًا غير مسبوق وصل إلى ذروته في هذا العهد الميمون الذي أولى الثقافة أهمية ومكانة خاصة في نهضتنا الشاملة التي نعيشها الآن، وجاءت تلك الطفرة في كتابة الرواية والقصة القصيرة التي فاقت التوقعات. ولكي نقف على حقيقة وأبعاد هذا التطور علينا الرجوع إلى كتاب “حركة التأليف والنشر الأدبي في المملكة العربية السعودية لعامي 2021-2022م”، دراسة وتحليل للأديب والباحث خالد بن أحمد اليوسف، وإلى الإحصاءات التي تضمنها، لنجد أن عدد الروايات التي صدرت عام 2004 م بلغ عشرين رواية، وأن هذا العدد قفز إلى 208 رواية عام 2022 م، وأعتقد أنه ممكن أن يكون وصل إلى 300 رواية الآن، وربما أكثر.
لكن مع الأسف لم يواكب هذا الكم الهائل من الروايات والقصص القصيرة كتابات نقدية بالتوازي مع هذا الكم الهائل من تلك الأعمال، فسقطت الكثير من الأعمال المتميزة في بئر النسيان. ورب قائل إنه في خضم انتشار كتّاب الرواية والقصة القصيرة في بلادنا على نطاق واسع قياسًا بالعهود السابقة عندما كان فرسان الرواية والقصة القصيرة لا يتعدون أصابع اليد الواحدة (أبرزهم من الرعيل الأول عبد القدوس الأنصاري وأحمد السباعي وحامد دمنهوري وحمزة شحاتة، وأشهرهم من الجيل الثاني محمد علوان، وعبد الله الجفري وسباعي عثمان)، أصبح من الصعب الآن في الوقت الراهن أن يغطي النقاد هذا الكم الهائل من الأعمال الأدبية التي تدفع بها دور النشر في المكتبات. لكنني لا أعتبر ذلك مبررًا، فما نشاهده الآن على ساحتنا الأدبية هو جزء هام من نهضتنا الثقافية الشاملة التي يرعاها صاحب السمو الملكي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وبما يتطلب تفعيل كافة الجهود التي ترمي إلى رعاية وتشجيع كافة الأعمال الإبداعية لكافة الأقلام الواعدة. أقول ذلك بمناسبة الإعلان عن جوائز القلم الذهبي الصادرة عن الهيئة العامة للترفيه التي يترأسها المستشار تركي آل الشيخ، وما تم تخصيصه من خلال تلك الجائزة من مجالات متنوعة في فنون العمل الروائي، وما تم تخصيصه من جوائز شرفية ومالية للفائزين بها؛ وحيث سيتم اختيار الأعمال الفائزة للروايات التي تصلح لأن تتحوَّل إلى أفلام سينمائية وتعكس البيئة والشخصية والثقافة السعودية، وما سيترتب على ذلك من الارتقاء بصناعة السينما السعودية.
ولقد أحسن سعادة المستشار في اختيار لجنة التحكيم من قمم أدبية لنقاد وأدباء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وهي مسؤولية جسيمة بالنسبة لجوائز مستحدثة في مجال الأعمال الروائية التي تشهد طفرة تطويرية في بلادنا، وهو ما يتطلب من أعضاء اللجنة استعراض الكم الأكبر من الروايات التي نشرت في السنوات الأخيرة الماضية وتوخي أدق المقاييس في المفاضلة بينها ليس من زاوية تقنية أو إبداعية أو فنية، وإنما من زاوية الرواية الأكثر صلاحية لتحويلها إلى فيلم سينمائي، وهذه نقطة هامة في عملية التحكيم يتوقع من أعضاء اللجنة أخذها في الاعتبار خلال عملية الاختيار، وهو ليس بالأمر الهين، إذ يتطلب الأمر رؤية وذائقة فنية أدبية وسينمائية وليس أدبية فقط.
الإعلان عن تلك الجوائز السخية في حد ذاته يعكس مظاهر النهضة الثقافية والحضارية التي تشهدها بلادنا الحبيبة، وهو إلى جانب تشجيعه للأدباء ولصناعة السينما في بلادنا بشكل عام يعتبر دعمًا لرؤية 2030 التي تهدف ضمن أهدافها إلى دعم الثقافة، باعتبارها الخط الإستراتيجي ليكون المجتمع السعودي مجتمعًا معرفيًا قادرًا على إنتاج المعرفة، على أساس أن الثقافة من مقومات «جودة الحياة»، وأن سعادة المواطن والمقيم تأتي على رأس أولويات هذا العهد الميمون، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده المحبوب سمو الأمير محمد بن سلمان اللذين لا يدخران وسعًا في توخي كل ما من شأنه الارتقاء بوطننا الغالي إلى مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات.

د. سونيا أحمد مالكي

طبيبة - مديرة إدارة الصحة المدرسية بتعليم جدة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى